نَ إِذَاَ كَافَحَتْهُ خَيْلُ الأَعَادِي
وقال تعالى :﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ﴾ [الطلاق : ١١] إلى أن قال :" خَالِدين "، فراعى المعنى، ثم قال :" فَقَدْ أَحْسَنَ الله له رِزْقاً "، فراعى اللفظ بعد مُرَاعاة المعنى، وكذا راعى
٣٣٠
المعنى في قوله :" أو يستكينون "، ثم راعى اللفظ في :" إذا كافحته "، وهذا الحمل جاز فيها من جميع أحوالها، أعني من كونها موصولة وشرطية، واستفهامية.
أما إذا كانت موصوفة فقال الشيخ أثير الدين أبو حَيّان :" ليس في محفوظي من كلام العرب مُرَاعاة المعنى يعني فتقول : مررت بمن محسنون لك.
و " الآخر " صفة لـ " اليوم "، وهذا مقابل الأوّل، ومعنى اليوم الآخر : أي عن الأوقات المحدودة.
ويجوز أن يُرَاد به الوقت الَّذي لا حَدّ له، وهو الأبد القائم الذي لا انقطاع له، والمراد بالأخر : يوم القيامة.
" وما هم بمؤمنين " " ما " : نافية، ويحتمل أن تكون هي الحِجَازية، فترفع الاسم وتنصب الخبر، فيكون " هم " اسمها، و " بمؤمنين " خبرها، و " الباء " زائدة تأكيداً.
وأن تكون التَّمِيْمِيّة، فلا تعمل شيئاً، فيكون " هم " مبتدأ، و " بمؤمنين " الخبر، و " الباء " زائدة أيضاً.
وزعم ابو علي الفَارِسِيّ، وتبعه الزمخشري أن " الباء " لا تزاد في خبرها إلاّ إذا كانت عاملة، وهذا مردود بقول الفَرَزْدَقِ، وهو تميمي :[الطويل] ١٨٠ - لَعَمْرُكَ مَا مَعْنٌ بِتَارِكِ حَقِّهِ
وَلاَ مُنْسِىءٌ مَعْنٌ وَلاَ مُتَيَسِّرُ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٧
إلا أنّ المختار في " ما " أن تكون حِجَازية ؛ لأنه لما سقطت " الباء " صرح بالنصب قال الله تعالى :﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ [المجادلة : ٢] ﴿مَا هَـذَا بَشَراً﴾ [يوسف : ٣١]، وأكثر لغة " الحجاز " زيادة الباء في خبرها، حتى زعم بعضهم أنه لم يحفظه النصب في غير القرآن، إلاّ قول الشاعر :[الكامل] ١٨١ - وَأَنَا النَّذِيرُ بِحَرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ
تَصِلُ الْجُيوشُ إِلَيْكُمُ أَقْوَادَهَا
أَبْنَاؤُهَا مُتَكَنِّفُونَ أَبَاهُمُ
حَنِقُو الصُّدُورِ وَمَا هُمُ أَوْلاَدَهَا
وأتى الضمير في قوله :" وما هم بمؤمنين " جمعاً اعتباراً للمعنى كما تقدّم في قوله :" آمنا ".
فإن قيل : لم أتي بخبر " ما " اسم فاعل غير مقيّد بزمان، ولم يؤت بعدها بجملة فعلية حتى يطابق قولهم : آمنّا " : فيقال : وما آمنوا ؟ فالجواب : أنه عدل عن ذلك ليفيد أن الإيمان منتف عنهم في جميع الأوقات، فلو أتى به مطابقاً لقولهم :" أمنا " فقال : وما آمنوا لكان يكون نفياً للإيمان في الزمن الماضي فقط، والمراد النَّفي مطلقاً أي : أنهم ليسوا ملتبسين بشيء من الإيمان في وقتٍ من الأوقات.
فصل في سبب نزول الآية قال ابن عباس - رضي الله عنه - إنما نزلت في مُنَافقي أَهْلِ الكتاب، كعبد الله بن أبي سلول ومعتب بن قُشَيْرٍ، وجدّ بن قيس وأصحابهم، كانوا إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق، ويقولون : إنا لنجد نَعْتَهُ وصفته في كتابنا، ولم يكونوا كذلك إذا خَلاَ بعضهم إلى بعض.
فصل في حقيقة النفاق قال ابن الخَطِيْبِ : الكلام في حقيقة النفاق لا يتخلّص إلا بتقسيم، وهو أنّ أحوال القلب أربعة : وهي أن تعتقد مستنداً لدليل وهو العلم، أو تعتقد لا عن دليل لكن تقليد، أو تعتقد لا عن دليل ولا تقليدج وهو الجهل، أو يكون حال القلب عن هذه الأحوال كلها.
وأما أحوال اللسان فثلاثة : الإقرار، والإنكار، والسكوت.
فأما الأول : وهو أن يحصل العرفان القلبي، فإما أن ينضم إليه الإقرار باللسان، فإن مان الإقرار اختيارياً، فصاحبه مؤمن حقًّا، بالاتفاق.
وإن كان اضطراريَّاً فهذا يجب أن يعد منافقاً ؛ لأنه بقلبه منكر مكذب لموجب الإقرار.
٣٣٢