وقال مجاهدٌ : لا تخلو المرأة بالرجال.
وقال سعيدُ بنُ المسيِّب والكلبيُّ وعبدُ الرحمنِ بن زيدٍ : هو النهي عن النوح، والدعاء بالويلِ، وتمزيق الثوب، وحلق الشعر، ونتفه، وخمش الوجه، ولا تحدِّث المرأة الرجال إلا ذا محرم، ولا تخلو برجل غير ذي محرم، ولا تسافر إلا مع ذي محرم.
وروت أم عطيَّة عن النبيِّ ﷺ إن ذلك في النوح، وهو قول ابن عباس.
وروى شهر بن حوشب عن أم سلمة " عن النبي ﷺ :﴿ولا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾، قال :" هُوَ النَّوحُ " وفي صحيح مسلم عن أمِّ عطيَّة :" لما نزل قوله :" يُبَايِعْنَك "، إلى قوله :﴿وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾، قالت : كان منه النياحة، قالت : فقلت : يا رسول الله، إلا آل بني فلان، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بد لي من أن أسعدهم، فقال رسول الله ﷺ :" إلا آل بني فلان " قوله :" يُبَايعْنكَ " : حال، و " شَيْئاً " : مصدر، أي شيئاً من الإشراك.
وقرأ علي والسلمي والحسن :" يُقَتِّلْنَ " بالتشديد.
و " يفترينه " : صفة لـ " بهتان "، أو حال من فاعل :" يأتين ".
فصل ذكر الله - عز وجل - في هذه الآية لرسول الله ﷺ في صفة البيعة خصالاً شتى، صرح فيهن بأركان النهي في الدين، ولم يذكر أركان الأمر، وهي ستة أيضاً : الشهادة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والاغتسال من الجنابة، وذلك لأن النهي دائم في كل الأزمان، وكل الأحوال، فكان التنبيه على اشتراط الدائم آكد.
وقيل : إن هذه المناهي كان في النساء كثيرة من يرتكبها، ولا يحجزهن [عنها] شرف النسب، فخصت بالذكر لهذا، ونحو منه " قوله - عليه الصلاة والسلام - لوفد عبد القيس :" وأنْهَاكُم عن الدُّبَّاء والحنتمِ والنَّقيرِ والمزفَّتِ "
٣٨
فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي ؛ لأنها كانت شهوتهم وعادتهم، وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي، هان عليه ترك سائرها مما لا شهوة له فيها.
فصل " لما قال النبي ﷺ في البيعة :" ﴿وَلا يَسْرِقْنَ﴾ ﴿وَلاَ يَزْنِينَ﴾، قالت هند : يا رسول الله إنَّ أبا سفيان رجل مسِّيك، فهل عليَّ حرج إن أخذت ما يكفيني وولدي ؟ فقال :" لا، إلاَّ بالمعرُوفِط، فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها، فتضيع، أو تأخذ أكثر من ذلك، فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة، فقال لها االنبي ﷺ ذلك "، أي لا حرج عليك فيما أخذت بالمعروف، يعني : من غير استطالة إلى أكثر من الحاجة.
قال ابن العربي رحمه الله :" وهذا إنما هو فيما لا يخزنه عنها في حجاب، ولا يضبط عليه بقفل، فإنه إذا هتكته الزوجة وأخذت منه [كانت] سارقة تعصي بها، وتقطع يدها ".
فصل في الكلام على الآية فإن قيل : هلاَّ قيل : إذا جاءك المؤمنات فامتحنوهن، كما قال في المهاجرات ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أن الامتحان حاصل بقوله تعالى :﴿عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ﴾ إلى آخره.
وثانيهما : أن المهاجرات يأتين من دار الحرب فلا اطلاع للمبايع على ما في قلبها، فلا بد من الامتحان، وأما المؤمنات، فهن في دار الإسلام، وعلمن الشرائع، فلا حاجة إلى الامتحان مع ظاهر حالها.
فإن قيل : ما الفائدة في تقديم البضع في الآية على البعض وترتيبها ؟.
فالجواب : قدم الأقبح على ما هو الأدنى منه في القبح، ثم كذلك إلى آخره، وقد في الأشياء المذكورة على ما هو الأظهر فيم بينهم.
فصل قال عبادةُ بن الصامت :" أخذ علينا رسول الله ﷺ كما أخذ على النساء : أنْ لا تُشرِكُوا باللَّه شَيْئاً ولا تَسْرقُوا ولا تزْنُوا ولا تقتلُوا أوْلادكُمْ، ولا يعضه بعضُكُمْ بعضاً، ولا تَعْصُو في مَعْرُوفٍ آمُرُكمْ بِهِ ".
٣٩
معنى " يعضه " : يسحر، والعضه : السحر.
ولهذا قال ابن بحر وغيره في قوله تعالى :﴿وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ﴾ إنه : السحر.
وقال الضحاكُ : هذا نهي عن البهتان، أن لا يعضه رجل ولا امرأة " بِبُهتَانٍ " أي : بسحر، والجمهور على ان معنى " ببهتان " : بولد، يفترينه " بين أيديهن " : ما أخذته لقيطاً، " وأرجلهن " : ما ولدته من زنا كما تقدم.
فصل في هذا الأمر قال المهدويُّ : أجمع المسلمون على أنه ليس للإما أن يشترط عليهن هذا، والأمر بذلك ندب لا إلزام.
وقال بعض العلماء : إذا احتيج إلى المِحْنَةِ من أجل تباعد الدَّار كان على إمام المسلمين إقامة المحنة.
قوله :﴿فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي ﷺ يبايع النساء بالكلام بهذه الآية :﴿أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً﴾ قالت : وما مسَّتْ يَدُ رسُول الله ﷺ إلا يد امرأة يملكها.
وقالت [أميمة] بنت رقيقة :" بايعت رسول الله ﷺ في نسوة، فقالت :" فِيْمَا اسْتطعْتُنَّ وأطَعْتُنَّ "، فقلت : يا رسول الله صافحنا، فقال :" إنِّي لا أصَافِحُ النِّساءُ، إنَّما قَوْلِي لامرأةٍ كَقْولِي لمِائةِ أمرأة "
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٥