ثم قال : وأسند إلى :" أن تقولوا "، ونصب :" مقتاً "، على تفسييره، دلالة على أن قوله :﴿مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ : مقت خالص لا شوب فيه.
الثالث : أنَّ " كَبُرَ " ليس للتعجب ولا للذم، بل هو مسند إلى " أن تقولوا " و " مقتاً " : تمييز محول من الفاعلية والأصل : كبر مقتاً أن تقولوا أي : مقت قولكم.
ويجوز أن يكون الفاعل مضمراً عائداً على المصدر المفهوم من قوله :" لِمَ تَقُولُونَ " أي :" كبر أي القول مقتاً "، و " أن تقولوا " على هذا إما بدل من ذلك الضمير، أو خبر مبتدأ محذوف، أي : هو أن تقولوا.
قال القرطبي : و " مقتاً " نصب بالتمييز، المعنى : كبر قولهم ما لا تفعلون مقتاً.
وقيل : هو حال، والمقت والمقاتة : مصدران، يقال : رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبّه الناس.
فصل قال القرطبيُّ : قد يحتجّ بهذه الآية في وجوب الوفاء في اللجاج والغضب على أحد قولي الشافعي.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٤
قرأ زيد بن علي :" يُقَاتَلُون " - بفتح التاء - على ما لم يسم فاعله.
وقرىء :" يُقَتَّلُونَ " بالتشديد.
٤٨
و " صفّاً " : نصب على الحال، أي : صافين أو مصفوفين.
قل القرطبي : والمفعول مضمر، أي : يصفون أنفسهم صفّاً ".
وقوله :" كأنَّهُمْ " يجوز أن يكون حالاً ثانية من فاعل :" يقاتلون "، وأن يكون حالاً من الضَّمير في " صفّاً "، فتكون حالاً متداخلة قاله الزمخشري.
وأن يكون نعتاً لـ " صفّاً "، قاله الحوفي.
وعاد الضمير على " صفّاً "، فيكون جمعاً في المعنى، كقوله :﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ﴾ [الحجرات : ٩].
فصل فإن قيل : وجه تعلق هذه الآية بما قبلها، أن قوله تعالى :﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ﴾ في ذم المخالفين في القتال، وهم الذين وعدوا بالقتال ولم يقاتلوا، وهذه الآية مدح [للموافقين] في القتال.
واعلم أن المحبة على وجهين.
أحدهما : الرضا عن الخلق.
وثانيهما : الثَّناء عليهم.
والمرصوص، قيل : المتلائم الأجزاء المستويها.
وقيل : المقعود بالرصاص.
قاله الفراء.
وقل : هو من التضام من تراصّ الأسنان.
وقال الراعي :[الرجز]
٤٧٦٣ - مَا لَقِيَ البِيضُ من الحُزقُوصِ
يَفْتَحُ بَابَ المغْلَقِ المَرْصُوصِ
الحرقوص : دويبة تولع بالنساء الأبكار.
٤٩
وقال القرطبي : والتَّراصُّ : التلاصق : ومنه قوله : وتراصوا في الصف، ومعنى الآية : إن الله - تعالى - يحب من يثبت في الجهاد، وفي سبيله، ويلزم مكانه، كثبوت البناء.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يوضع الحجر على الحجر، ثم يرص بأحجار صغار، ثم يوضع اللبن عليه، فيسمونه أهل مكة المرصوصُ.
قال ابنُ الخطيب : ويجوز أن يكون المعنى على أن يكون ثباتهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة، وموالاة بعضهم بعضاً، كالبنيان [المرصوص].
وقال سعيدُ بن جبيٍ : هذا تعليم من الله للمؤمنين، كيف يكونون عند قتال عدوهم.
فصل في أن قتال الراجل أفضل من الفارس قال القرطبي : استدل بهذه الآية بعضهم على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس ؛ لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة.
قال المهدويُّ : وذلك غير مستقيم لما جاء في فضل الفارس من الأجر والغنيمة، ولا يخرج الفرسان من معنى الآية ؛ لأن معناه الثبات.
فصل في الخروج من الصف لا يجوز الخروج من الصفِّ إلا لحاجة تعرض للإنسان، أو في رسالة يرسلها الإمام، أو منفعة تظهرف المقام كـ " فرصة " تنتهز ولا خلاف فيها.
في الخروج عن الصف للمبارزة [خلاف].
فقيل : إنه لا بأس بذلك إرهاباً للعدو، وطلباً للشهادة، وتحريضاً على القتال.
وقيل : لا يبرز أحد طلباً لذلك ؛ لأن فيه رياء وخروجاً غلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو، وإنما تكون المبارز إذا طلبها الكافر، كما كانت في حروب النبي ﷺ يوم " بدر "، وفي غزوة " خيبر، وعليه درج السلف.
وقد تقدم الكلام في ذلك في سورة " البقرة " عند قوله :﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا ااْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الآية : ١٩٥].
٥٠
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٨