أحدهما : أن تكون بَصَريَّة، فتتعدّى لاثنين بنقل الهمزة أولهُما الضميرُ، والثاني " أَعْمَالَهُمْ " و " حَسَرَاتٍ " على هذا حالٌ مِنْ " أَعْمَالَهُمْ ".
والثاني : أَنْ تكونُ قلبيَّةً ؛ فتتعدَّى لثلاثةٍ ؛ ثالثُهما " حَسَرَاتٍ " و " عَلَيْهِمْ " يجوزُ فيه وجْهَان : أن يتعلَّق بـ " حَسَرَاتٍ " ؛ لأنَّ " يحْسَرُ " يُعدَّى بـ " عَلَى " ويكونُ ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ.
أي : على تَفْرِيطهِمْ.
والثاني : أنْ يتعلَّق بمحذوف ؛ لأنّضها صفةٌ لـ " حَسَرَاتٍ "، فهي في محلّ نصْبٍ ؛ لكونها صفةً لمنصوبٍ.
فصل في المراد بـ " الأعمال " في الآية اختلفوا في المراد بالأَعمال.
فقال السُّدِّيُّ : الطاعاتُ، لِمَ ضَيَّعُوها ؟ وقال الربيعُ وابنُ زَيْدٍ، المعاصي والأَعْمَال الخبيثَةُ يتحسَّرون لِمَ عَمِلُوها ؟ وقال الأَصَمُّ : ثوابُ طاعاتهم الَّتي أتَوْا بها، فأحْبضطُوها بالكُفْرِ، قال السُّدِّيُّ : تُرفع لهم الجَنَّة، فينظرُون إليها وإلى بيوتهم فيها، لو أطاعُوا الله، فيقال لهم : تِلْكَ مساكنُكمْ، لو أطعتُمُ الله تعالى، ثمَّ تقسَّم بين المؤمِنين، فذلك حين يتحسَّرُونَ.
وقيل : أعمالُهُمْ الَّتي تقرَّبوا بها إلى رؤسائهم والانقياد لأَمرهم، قال ابن كَيْسَان : إِنَّهُمْ أشركُوا بالله الأوثان، رجاءَ أن تقرِّبهم إلى الله تعالى، فلما عُذِّبوا على ما كانوا يَرْجُون ثوابه، تحسَّروا ونَدِمُوا.
قال ابن الخطيب : والظاهرُ أنَّ الأعمال الَّتي اتَّبَعُوا فيها السَّادَة، وهو كُفْرُهُم.
ومعاصِيهِمْ، وإنما تكون حَسْرةً بأن رأوها في صحيفَتهِمْ، وأيقنوا بالجزاءِ عليها، وكان يمكنُهُمْ تركُها، والعدولُ إلى الطَّاعات، وفي هذا الوجه الإضافة وفي الثاني : مجازٌ بمعنى لزومِهِم، فَلَمْ يَقُومُوا بها.
و " الحَسْرَة " واحدةُ الحَسَرَاتِ ؛ كَتَمْرَةٍ وَتَمَرَاتٍ، وَجَفْنَةٍ وَجَفَنَاتٍ وشَهَوَاتٍ.
هذا إذا كان اسماً.
[فإنْْ نَعتَّهُ سكَّنت ؛ كقوله ضَخْمَة وضَخْمَات وعَبْلَة وعَبْلاَت نقله القرطبي رحمه الله تعالى قال الزَّجَّاج : هي شِدَّة الندامة، وهو تألُّم القَلب بانحسارِهِ عمّا تؤلمه واشتقاقها إِمَّا من قولهم : بعير حَسيرٌ أي منقطعُ القوَّة والحُسُور الإِعياء، وقال تبارك وتعالى :﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء : ١٩] أو من الحسر وهو
١٤٩
الكشف يقال : حسر عن ذراعيه، والحسرة : انشكافٌ عن حالة النَّدَامة ؛ [والمحسرة] المنكسة ؛ لأنها تكشف عن الأرض ؛ والطير تنحسر لأنها تنكشف بذهاب الريش.
قوله تعالى :﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.
احتجَّ به على أن أصحاب الكبائِرِ منْ منْ أهْل القبلة يخرجُون من النَّار، فقالوا : لأنَّ قوله :" وَمَا هُمْ " تخصيصٌ لهم بعَدَم الخروج على سبيل الحَصر ؛ فوجب أن يكُون عدَمُ الخروج مخصًوصاً بهم، وهذه الآية الكريمة تكشف عن المراد بقوله :﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ﴾ [الأنفطار : ١٤ - ١٦] فبيَّن أنَّ المراد بالفُجَّار ها هنا الكفَّار ؛ لدلالة هذه الآية الكريمة عليه والله أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٣
لَمَا بيَّن التوحيد ودلائلهُ وما للموحِّدين مِنَ الثواب وأتبعه بذكر الشِّرك، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وأنَّ معصية مَنْ عَصَاه، وكُفْر من كَفَر به، لم تُؤَثِّر في قطع نعمه وإحسَانه إِلَيهمْ.
قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما : هذه الآية نزلت في قومٍ من ثقيف، وبني عامر بن صَعْصعَة، وخُزَاعة، وبني مُدْلجٍ، حَرَّموا على أنفسُهم مِنَ الحَرثِ، والبحائِرِ، والسَّوائِب، والوَصَائِلَ والحَامِ.
قوله تعالى " ﴿مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً﴾ حَلالاً فيه خَمْسَة أوجُهٍ : أحدها : أن يكون مفعولاً بـ " كُلُوا " و " مِنْ " على هذا فيها وجهان : أحدهما : أنْ تتعلَّق بـ " كُلُوا " ويكون معناها ابتداء الغاية.
الثاني : أنْ تتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ من " حلالاً " [وكانت في الأصلِ صفةً له، فَلَمَّا قُدَّمَتْ عليه، انتصَبَتْ حالاً] ويكون معنى " مِن " التَّبْعِيضَ.
الثاني : أنْ يكون انتصابُ " حَلاَلاً " على أنَّه نعتُ لمفعولٍ محذوف، تقديرُهُ : شيئاً أو رِزْقاً حَلاَلاً، ذكَرَه مَكِّيٌّ واستعبده ابن عطيَّة ولم يبيِّن وجه بُعْده، والذي يظهرُ في بُعْده أَنَّ " حَلاَلاً " ليس صفةً خاصَّة بالمأْكُول بل يُوصَف به المأكُول وغيره وإذا لم تكُن الصفة خاصَّة، لا يجوز حذف الموصول.
١٥٠