وقال الفراء : هو مجزوم على جواب الاستفهام، وهو قوله :" هل أدلكم ".
واختلف الناس في تصحيح هذا القول.
فبعضهم غلطه.
قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا.
يعني : أنه ليس مرتباً على مجرد الاستفهام ولا على مجرد الدلالة.
قال القرطبي : و " تُؤمِنُونَ " عند المبرد والزجاج في معنى " آمِنُوا " ولذلك جاء " يَغْفِر لَكُمْ " مجزوماً على أنه جواب الأمر.
قال ابن الخطيب :" هَلْ أدلكُم " في معنى الأمر عند الفرَّاء، يقال : هل أنت ساكت أي : اسكت، وبيانه أن " هَلْ " بمعنى الاستفهام ثم يندرج إلى أن يصير عرضاً وحثّاً، والحث كالإغراء، والإغراء أمر.
وقال المهدوي : إنما يصح حمله على المعنى، وهو أن يكون " تُؤمِنُونَ، وتجاهدون " : عطف بيان على قوله :" هل أدلكم ".
كأن التجارة لم يدر ما هي فبينت بالإيمان والجهاد، فهي هما في المعنى، فكأنه قيل : هل تؤمنون وتجاهدون ؟.
قال : فإن لم يقدر هذا التقدير لم يصح، لأنه يصير إن دُللتم يغفر لكم والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة.
وقال الزمشخري قريباً منه أيضاً.
وقال أيضاً : إن " تؤمنون " استئناف كأنهم قالوا : كيف نعمل ؟ فقال : تؤمنون.
وقال ابن عطيَّة :" تُؤمِنُونَ " : فعل مرفوع، تقديره : ذلك أنه تؤمنون.
فجعله خبراً، وهي وما في حيّزها خبر لمبتدأ محذوف، وهذا محمول على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب فإنه لا حاجة إليه.
فصل قال ابن الخطيب : فإن قيل : كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ؟.
٦١
فالجواب : يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين وهم الذين آمنوا في الظاهر، ويمكن أن يكون أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة.
فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد، ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله تعالى :﴿فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ [التوبة : ١٢٤]، أيو يكون المراد الأمر بالثبات على الإيمان، كقوله :﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ ٢٧].
فإن قيل : كيف ترجى النجاة إذا آمن بالله ورسوله ولم يجاهد في سبيل الله وقد علق بالمجموع ؟.
فالجواب : أن هذا المجموع هو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خير في نفس الأمر.
قوله :﴿بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾.
قال القرطبي : ذكر الأموال أولاً، لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق، " ذَلِكُمْ " أي : هذا الفعل ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ من أموالكم وأنفسكم، ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنه خير لكم.
قوله :﴿يَغْفِرُ لَكُمْ﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه مجزوم على جواب الخبر بمعنى الأمر، كما تقدم.
والثاني : أنه مجزوم على جواب الاستفهام، كما قاله الفراء.
الثالث : أنه مجزوم بشرط مقدر، أي : إن تؤمنوا يغفر لكم.
قال القرطبي :" وأدغم بعضهم، فقرأ :" يَغْفر لَكُمْ "، والأحسن تركَ الإدغام لأن الراء حرف متكرر قويّ فلا يحسن الإدغام في اللام ؛ لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف ".
قوله :﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً﴾.
روى الحسنُ قال :" سألت عمران بن حصينٍ وأبا هريرة عن قوله تعالى :﴿وَمَسَاكِنَ كَيِّبَةً﴾، فقالا : على الخبير [سقطت]، سألنا رسول الله ﷺ عنها فقال :" قَصَّرٌ مِن لُؤلُؤة في الجنَّةِ، في ذلِكَ القصْرِ سَبْعُونَ داراً من ياقُوتةٍ حَمْراءَ، فِي كُل دَار سَبْعُونَ بَيْتاً
٦٢