وفي صحيح مسلم : وقوله :﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾.
كانوا رجالاً [أجمل] شيء كأنهم خشبٌ مسنَّدةٌ شببهم بخشب مسندة إلى الحائطِ لا يسمعون ولا يعقلون أِباحٌ بلا أرواحٍ، وأجسامٌ بلا أحلامٍ.
وقيل : شبههم بالخشب التي قد تآكلت فهي مسندة بغيرها لا يعلم ما في بطنوها.
قال الزمخشري : شبهوا في استنادهم بالخشب المسندة إلى حائط ؛ لأنهم أجرام خاليةٌ عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحائط، لأأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار، أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً فارغاً غير به فأسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان.
فصل في قراءة الخشب قرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي :" خُشْبٌ " بإسكان الشين.
وهي قراءة البراء بن عازب، واختيارُ عُبيدٍ.
لأنَّ واحدتها خشبة كما تقول : بدنة وبُدْن.
قاله الزمخشري.
وقال أبو البقاء : و " خشبٌ " - بالإسكان والضم - جمع خَشَب، مثل : أَسَد وأُسْد.
قال القرطبي : وليس في اللغة :" فَعَلَة " يجمع على " فُعُل "، ويلزم من ثثقلها أن تقول :" البُدُن " فتقرأ :" والبُدُونَ "، وذكر اليزيدي أنه جمع الخشباءِ، كقوله تعالى :﴿وَحَدَآئِقَ غُلْباً﴾ [عبس : ٣٠] واحدتها، حديقة غلباء.
وقرأ الباقون من السبعة : بضمتين.
وقرأ سعيد بن جبير، وابن المسيب : بفتحتين.
ونسبها الزمخشري لابن عبَّاس، ولم يذكر غيره.
١٠٧
فأما القراء - بضمتين - فقيل : يجوز أن تكون جمع خشبة، نحو : ثمرة وثُمُر.
قاله الزمخشري.
وفيه نظر ؛ لأن هذه الصيغة محفوظة في " فَعَلَة " لا ينقاس نحو : ثَمَرَة وثُمُر.
ونقل الفارسي عن الزبيد :" أنه جمع : خَشْبَاء، وأخْشبَة " غلط عليه ؛ لأنه قد يكون قال :" خُشْب " - بالسكون - جمع " خَشْبَاء " نحو :" حَمْرَاء وحُمْر " لأن " فَعْلاء " الصفة لا تجمع على " فُعُل " بضمتين، بل بضمة وسكون.
وقوله : الزبيدي، تصحيف، إما منه، وإما من الناسخ، إنما هو اليزيدي تلميذ أبي عمرو بن العلاء، ونقل ذلك الزمخشري.
وأما القراء بضمة وسكون.
فقيل : هي تخفيف الأولى.
وقيل : هي جمع خشباء، كما تقدم.
وهي الخشبة التي نُخِر جوفها، أي : فرغ، شبهوا بها لفراغ بواطنهم مما ينتفع به.
وأما القراءة - بفتحتين - فهو اسم جنس، وأنِّثَتْ صفته، كقوله :﴿نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٧] وهو أحد الجائزين.
وقول :" مُسَنَّدَةٌ ".
تنبيه على أنه لا ينتفعُ بها كما ينتفعُ بالخشب في سقفٍ وغيره، أو شبهوا بالأصنام ؛ لأنهم كانوا يسندونها إلى الحيطان شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم.
وقيل : شُبِّهُوا بالخشب المُسنَّدةِ إلى الحائط، لأن الخشبة المسنَّدة إلى الحائط أحدُ طرفيها إلى جهة، والآخرُ إلى جهة أخرى.
والمنافق كذلك لأن أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر، والطرف الآخر وهو الظاهر إلى جهة أهلِ الإسلام.
ونقل القرطبي عن سيبويه أنه يقال :" خَشَبةٌ وخِشَابٌ وخُشُبٌ " مثل : ثَمَرة وثِمَار وثُمُر، والإسناد : الإمالة، تقول : أسندتُ الشيء أي : أملته، و " مُسَنَّدةٌ " للتكثير، أي : استندوا إلى الإيمان لحقن دمائهم.
١٠٨
قوله :﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾.
فيه وجهان : أظهرهما : أن " عليهم " هو المفعول الثاني للحسبان، أي واقعة وكائنة عليهم ويكون قوله :﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾ جملة مستأنفة، أخبر الله عنهم بذلك.
والثاني : أن يكون " عليهم " متعلقاً بـ " صَيحةٍ " و " هُمُ العَدُوُّ " جملة في موضع المفعول الثاني للحسبان.
قال الزمخشري :" ويجوز أن يكون " هُمُ العَدُوُّ " هو المفعولُ الثَّاني كام لو طرحت الضمير.
فإن قلت : فحقه أن يقال : هي العدُوُّ، قلت : منظور فيه إلى الخبر كما في قوله :﴿هَـذَا رَبِّي﴾ [الأنعام : ٧٧]، وأن يقدر مضافٌ محذوفٌ أي : يحسبون كل أهلِ صيحةٍ " انتهى.
وفي الثاني بعد بعيد.
فصل وصفهم الله تعالى بالجُبْنِ والخَوَر.
قال مقاتل والسدي : إذا نادى مناد في العسكر أن أنفلتت دابة، أو أنشدت ضالّة ظنوا أنهم هم المرادون، لما في قلوبهم من الرعب.
كما قال الأخطل :[الكامل] ٤٧٧٣ - مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُمْ
خَيْلاً تكرُّ عَليْهِمُ ورِجَالا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٠٠
وقيل :﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ﴾، أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم ؛ لأن للريبة خوفاً، استأنف الله خطاب نبيه - عليه الصلاة والسلام - فقال :" هم العَدُوُّ " وهذا معنى قول الضحاك.
وقيل : يَحْسَبُونَ كُلَّ صيحةٍ يسمعونها في المسجد أنها عليهم، وأن النبي ﷺ قد أمر فيها بقتلهم، فهم أبداً وجلُون من أن ينزل الله فيهم أمراً يبيح به دماءهم، ويَهْتِكُ به أسْتارهُم، ثم وصفهم الله بقوله ﴿هُمُ الْعَدُوّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
١٠٩