١٥٣
وثلاثة منها في قوله :﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف : ١٦ - ١٧] فلمَّا التزم هذه الأمور، كان عدواً متظاهراً بالعداوة، وقد أظهر عداوته بإبائه السُّجود لآدم، وغروره إيّاه ؛ حتَّى أخرجه من الجنَّة.
قوله :" إِنَّهُ لَكُمْ " قال أبُو البَقَاءِ : إنَّما كسر الهمزة ؛ لأنَّه أراد الإعلام بحاله، وهو أبلغ من الفتح ؛ لأنه إذا فتح الهمزة، صار التقدير : لا تتَّبعوه ؛ لأنَّه عدوٌّ لكم، واتباعه ممنوعٌ، وإن لم يكن عدوّاً لنا، مثله :[منهوك الرجز]
٨٨٩أ - لَبَّيكَ، إنَّ الحَمْدُ لَكْ
كسر الهمزة أجود ؛ لدلالة الكسر على استحقاقه الحمد في كلِّ حال، وكذلك التلبية.
انتهى يعني أن الكسر استئنافٌ محض فهو إخبار بذلك، وهذا الذي قاله في وجه الكسر لا يتعيَّن ؛ لأنَّه يجوز أن يراد التعليل مع كسرة الهمزة ؛ فإنَّهم نصُّوا على أنَّ " إنَّ " المكسورة تفيد العلَّة أيضاً، وقد ذكر ذلك في هذه الآية بعينها ؛ كما تقدم أنفاً، فينبغي أن يقال : قراءة الكسر أولى ؛ لأنَّها محتملة للإخبار المحض بحاله، وللعلَّيِّة ؛ وممَّا يدلُّ على أنَّ المكسورة تفيد العلَّيَّة قوله - عليه السلام - في الرَّوثة " إنَّها رجسٌ " وقوله في الهرَّة :" إنَّها لَيْسَتْ بِنَجِسٍ ؛ إنَّها مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ " وقوله :" لاَ تُنْكَحُ المَرأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا ؛ إِنَّكُمْ إضّا فَعَلْتُمْ ذلك، قَطَّعْتُمْ أرْحَامَكُمْ " وأما المفتوحة : فهي نصٌّ في العلِّيَّة، لأنَّ الكلام على تقدير لام العلَّة.
١٥٤
قوله :﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّواءِ وَالْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فهذه كالتَّفصيل لجملة عداوته، وهو مشتمل على أمور ثلاثةٍ : أولها : السُّوء، وهو : متناول جميع المعاصي، سواءٌ كانت تلك المعاصي من أفعال الجوارح، أو من أفعال القلوب.
وسُمِّي السُّوء سوءاً ؛ لأنَّه يسوء صاحبه بسوء عواقبه، وهو مصدر :" سَاءَهُ يَسُوءُهُ سُوءاً ومَسَاءَةً " إذا أحزنه، و " سُؤْتُهُ، فَسِيءَ " إذا أحزنته، فحزن ؛ قال تعالى :﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [الملك : ٢٧] ؛ قال الشَّاعر :[السريع] ٨٨٩ب - وإنْ يَكُ هَذَا الدَّهْرُ قَدْ سَاءَنِي
فَطَالَمَا قَدْ سَرِّنِي الدَّهْرُ
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
أَلأَمْرُ عِنْدِي فِيهِمَا وَاحِدٌ
لِذَاكَ شُكْرٌ وَلِذَا صَبْرُ
وثانيها : الفحشاء : وهو مصدر من الفحش ؛ كالبأساء من البأس، والفحش : قبح المنظر.
قال امْرُؤ القَيْسِ :[الطويل] ٨٩٠ - وَجِيدٍ كَجِيدٍ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ
إذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلاَ وَلاَ بِمُعَطَّلِ
وتوسِّع فيه، حتَّى صار يعبر به عن كلِّ مستقبحٍ معنى كان أو عيناً.
والفَحْشَاءُ : نوعٌ من السُّوء، كأنَّها أقبح أنواعه، وهي : ما يستعظم، ويستفحش من المعاصي.
وثالثها :﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فكأنَّه أقبح الأشياء ؛ لأنَّ وصف الله تعالى بما لا ينبغي من أعظم أنواع الكبائر، فهذه الجملة كالتفسير لقوله تعالى :﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾.
فدلَّت الآية الكريمة على أنَّ الشيطان يدعو إلى الصَّغائر والكبائر، والكفر، والجهل بالله.
وروي عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أنَّه قال :" الفَحْشَاءُ " من المعاصي : ما فيه حَدٌّ، والسُّوء من الذُّنوب ما لا حَدَّ فيه.
وقال السُّدِّيُّ : هي الزِّنا.
١٥٥


الصفحة التالية
Icon