أي ربِّ علقَةٌ، أي : ربِّ مُضغَةٌ، فإذا أرَادَ اللَّهُ أن يقْضِي خَلْقَهَا، قال : ربَّ أذكرٌ أم أنْثَى ؟ أشقيٌّ أم سعيدٌ ؟ فما الرِّزْقُ ؟ فما الأجلُ ؟ فيُكْتَبُ ذلِكَ في بَطْنِ أمِّهِ " وقال الضحَّاك : فمنكم كافر في السِّر، مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السر، كافر في العلانية كعمّار وذويه.
وقال عطاء بن أبي رباح : فمنكم كافر باله مؤمن بالكوكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكوكب يعني في شأن الأنْوَاء، كما جاء في الحديث.
قال القرطبي : وقال الزجاج - وهو أحسن الأقوال - : والذي عليه الأئمة أن الله خلق الكافر، وكُفره فعل له وكسبٌ، مع أن الله خالق الكفر، وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكَسْب، مع أنَّ الله خالق الإيمان، والكافر يكفر، ويختار الكفر بعد خلق اللَّه تعالى إياه ؛ لأن اللَّه - تعالى - قدّر ذلك عليه وعلمه منه ؛ لأن وجود خلاف المقدور عجز، ووجود خلاف المعلوم جهل، ولا يلقيان باللَّه تعالى، وفي هذا سلامة من الجَبْر والقدر.
وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : فمنكم كافر حياته مؤمن في العاقبة، ومنكم مؤمن حياته كافر في العاقبة.
وقيل : فمنكم كافر بأن الله خلقه، وهو مذهب الدَّهْرية، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : إنه - تعالى - حكيم وقد سبق في علمه أنه إذا [خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر، فأي حكمة دعته إلى خلقهم ؟ ].
فالجواب إذا علمنا أنه تعالى حكيم، علمنا أن أفعاله كلها على وفق الحكمة، ولا يلزم من عدم علمنا بذلك أن لا يكون كذلك، بل اللازم أن يكون خلقهم على وفق الحكمة.
قوله :﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾.
أي : خلقها يقيناً لا ريب فيه.
وقيل : الباء بمعنى اللام، أي : خلقها للحق، وهو أن يجزي الذي أساءوا بما عملوا ويجزي الذي أحسنوا بالحسنى.
١٢٥
قوله :﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾.
قرأ العامة : بضم صاد " صُوركم "، وهو القياس في فعله.
وقرأ زيد بن علي والأعمش، وأبو رزين : بكسرها، وليس بقياس وهو عكس لْحَى - بالضم - والقياس " لِحى " بالكسر.
فصل معنى " وَصَوَّركُمْ " يعني آدم - عليه الصلاة والسلام - خلقه بيده كرامة له.
قاله مقاتل.
وقيل : جميع الخلائق، وقد مضى معنى التصوير، وأنه التخطيط والتشكيل.
فإن قيل : كيف أحسن صوركم ؟.
قيل : بأن جعلهم أحسن الحيوان كلِّه وأبهاه صورة، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصُّور، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب كما قال - عزَّ وجلَّ - :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين : ٤] كما يأتي إن شاء الله تعالى.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : قد كان من أفراد هذا النوع من كان مشوه الخِلقة سمج الصورة ؟ فالجواب : لا سماجة لأن الحسن في المعاني، وهو على طبقات ومراتب، فانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقه لا يمنع حسن، فهو داخل في خير الحسن غير خارج عن حده.
قوله ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾.
أي : المرجع، فيجازي كلاًّ بعمله.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : قوله تعالى :﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ يوهم الانتقال من جانب إلى جانب، وذلك على الله تعالى مُحال ؟.
فالجواب : أن ذلك الوهْمَ بالنسبة إلينا وإلى زماننا لا بالنسبة إلى ما يكون في نفسه بمعزل عن حقيقة الانتقال إذا كان المنتقل منزهاً عن الجانب والجهة.
قوله :﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾.
تقدم نظيره.
قال ابن الخطيب : إنه - تعالى - نبَّه بعلمه ما في السماوات وما في الأرض، ثم
١٢٦
بعلمه ما يسرونه وما يعلنونه ثم بعمله ما في الصدور من الكليات والجزئيات على أنه لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض ألبتة.
ونظيره قوله :﴿لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ﴾ [سبأ : ٣] وقرأ العامّة : بتاء الخطاب في الحرفين.
وروي عن أبي عمرو وعاصم : بياء الغيبة، فيحتمل الالتفات وتحمل الإخبار عن الغائبين.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ فهو عالم الغيب والشهادة لا يخفى عليه شيء.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٢٣
قوله :﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ﴾.
الخطاب لقريش، أي : ألم يأتكم خبر كُفَّار الأمم السالفة ﴿فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ أي : عوقبوا ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي : مُؤلم.
الهاء للشأن والحديث، و ﴿كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم﴾ : خبرها، ومعنى الإشارة أي : هذا العذاب لهم بكفرهم بالرسل تأتيهم بالبينات، أي : بالدلائل الواضحة.
قوله :﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾.
يجوز أن يرتفع " بشر " على الفاعلية، ويكون من الاشتغال، وهو الأرجح، لأن الأداة تطلب الفعل، وأن يكون مبتدأ وخبراً.
وجمع الضمير في " يَهْدُونَنَا " إذ البشر اسم جنس.
أنكروا أن يكون الرسول من البشر.
١٢٧