وقد تقدم إعراب ما قبل هذه الآية وما بعدها.
﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
لا يخفى عليه تسليم من انقاد لأمره، ولا كراهة من كرهه.
قوله :﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾.
أي : هونوا على أنفسكم المصائب واشتغلوا بطاعة الله واعملوا بكتابه، وأطيعوا الرسول في العمل بسنته ﴿فَإِن تَولَّيْتُمْ﴾ عن الطاعة فليس على الرسول إلا البلاغ المبين.
قوله :﴿اللَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾.
أي : لا معبود سواه، ولا خالق غيره.
قال ابن الخطيب :" قوله ﴿اللَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ يحتمل أن يكون من جملة ما تقدم من الأوصاف الجميلة بحضرة الله تعالى من قوله :﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
١٣٤
قَدِيرٌ﴾، فإن من كان موصوفاً بهذه الأوصاف هو الذي لا إله إلا هو ".
قوله :﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
قال الزمخشري : هذا بعث لرسول الله ﷺ على التوكل عليه حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٣٣
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.
قال ابن عبَّاس : نزلت هذه الآية بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي شكى إلى النبي ﷺ جفاء أهله وولده، فنزلت، ذكره النحاس.
وحكاه الطَّبريّ عن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة التَّغابن كلها بـ " مكة " إلا هؤلاء الآيات :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوه ورققوه، فقالوا : إلى من تدعنا فيَرقّ فيقيم فنزلت هذه الآية إلى آخر السورة بالمدينة.
روى الترمذي عن ابن عباس، وسئل عن هذه الآية قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي ﷺ فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا للنبي ﷺ فلما أتوا النبي ﷺ وإذا الناس قد تفقهوا في الدين فهموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
حديث حسن صحيح.
فصل قال ابن العربي : هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدواً لذاته، وإنما كان
١٣٥
عدواً بفعله، فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدواً ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد والطاعة.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة " عن النبي ﷺ قال :" إنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ فِي طريقِ الإيمانِ، فقَال لَهُ : أتُؤمِنُ وتَذَرُ دينكَ ودينَ أهْلكَ ومالكَ فخالفه فآمن، ثم قعد له على طريق الهجرة، فقال له : أتهاجر وتترك أهلك فَخالفَهُ وهاجَرَ، ثُمَّ قَعدَ لَهُ على طريقِ الجهادِ، فقَالَ لَهُ : أتُجَاهدُ فتَقْتُلَ نَفْسَك فتنُكَحَ نِسَاؤكَ ويُقسَّم مالك فخَالفَهُ فَجَاهَدَ فقُتِلَ فحقٌّ على اللَّهِ أن يُدْخِله الجَنَّة " وقعود الشَّيطان يكون بوجهين : أحدهما : أن يكون بالوسوسة.
والثاني : أن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب، فقال تعالى :﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [فصلت : ٢٥]، وفي حكمة عيسى - عليه الصلاة والسلام - : من اتخذ أهلاً ومالاً وولداً كان في الدنيا عبداً.
وقال - عليه الصلاة والسلام - :" تَعِسَ عَبدُ الدِّينارِ، تَعِسَ عبدُ الدِّرهَمِ، تعِسَ عبْدُ الخَميصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ القَطِيفَة "، ولا دَنَاءَةَ أعْظَمُ مِنْ عبادَة الدِّينار والدِّرهم، ولا همَّة أخسُّ من همَّة تَرْتَفِعُ بثَوبٍ جَديدٍ ِ " واعلم أن قوله :﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ يدخل في الذكر والأنثى، فكما أن الرجل تكون زوجته وولده عدوّاً له، كذلك المرأة يكون زوجها عدوّاً لها بهذا المعنى.
قوله :﴿فَاحْذَرُوهُمْ﴾.
أي : فاحذروهم على أنفسكم، والحذر على النفس يكون بوجهين : إما لضرر في البدنِ، أو لضررٍ في الدين، وضرر البدن يتعلق بالدنيا، وضرر الدين يتعلق بالآخرة، فحذر الله تعالى العبد من ذلك.
قال ابن الخطيب : وقيل : أعلم الله تعالى أن الأموال والأولاد من جملة ما تقع به الفتنة، وهذا عام يعم جميع الأولاد، فإن الإنسان مفتون بولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببه وباشر الفعل الحرام لأجله كغصب مال الغير وغيره.
قوله :﴿وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
١٣٦