الشرك، فكذلك معنى قوله :﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ في الهجرة من دار الشِّرك إلى دار الإسلام أن تتركوها بفتنة أموالكم وأولادكم.
ويدل على صحة هذا قوله تعالى :﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ عقيب قوله :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾، ولا خلاف بين علماء التأويل أن هذه الآيات نزلت بسبب قوم كانوا تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام بتثبيط أولادهم إياهم عن ذلك كما تقدم، وهذا اختيار الطبري.
وقال ابن جبير : قوله :﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ فيما تطوع به من نافلة أو صدقة، فإنه لما نزل قوله تعالى :﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران : ١٠٢] اشتدت على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرَّحت جباهُهُمْ، فأنزل الله تخفيفاً عنهم :﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ فنسخت الأولى.
قال الماوردي : ويحتمل أن يثبت هذا النَّقْل، لأن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها، لأنه لا يستطيع اتقاءها.
قوله :﴿وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ﴾.
أي : اسمعوا ما توعظون به، وأطيعوا ما تؤمرون به، وتنهون عنه.
وقال مقاتل :" اسْمَعُوا " أي : أصغوا إلى ما ينزل عليكم من كتاب الله، وهو الأصل في السَّماع " وأطِيعُوا " الرسول فيما يأمركم أو ينهاكم.
وقيل : معنى " واسْمَعُوا " أي : اقبلوا ما تسمعون وعبر عنه بالسماع ؛ لأنه فائدته.
قوله :﴿وَأَنْفِقُواْ﴾.
قال ابن عباس : هي الزكاة.
وقيل : هي النفقة في النفل.
وقال الضحاك : هي النفقة في الجهاد.
وقال الحسن : هي نفقة الرجل لنفسه.
وقال ابن العربي : وإنما أوقع قائل هذا، قوله :" لأنفُسِكُمْ " وخفي عليه قوله : أن نفقة الفرض والنَّفْل في الصَّدقة على نفسه، قال الله تعالى :﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء : ٧].
فكل ما يفعله الرجل من خير فإنما هو لنفسه، والصحيح إنها عامة.
١٣٩
قوله :﴿خَيْراً لأَنفُسِكُمْ﴾.
في نصبه أوجه : أحدها : قال سيبويه : إنه مفعول بفعل مقدر، دلَّ عليه " وأنفقوا "، تقديره : ايتوا في الإنفاق خيراً لأنفسكم وقدموا لأنفسكم كقوله :﴿انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ﴾ [النساء : ١٧١].
الثاني : تقديره : يكن الإنفاق خيراً، فهو خبر كان المضمرة، وهو قول أبي عبيدة.
الثالث : أنه نعت مصدر محذوف، وهو قول الكسائي والفراء، أي : إنفاقاً خيراً.
الرابع : أنه حال، وهو قول الكوفيين.
الخامس : أنه مفعول بقوله " أنفِقُوا "، أي : أنفقوا مالاً خيراً.
قوله :﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
تقدم نظيره.
وكذا ﴿إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ﴾.
تقدم في سورة البقرة والحديد.
﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾.
تقدم معنى الشكر في " البقرة ".
والحليم : الذي لا يعجل.
قال بعضهم القَرْض الحسن : هو التصدق من الحلال.
وقيل : التصدق بطيب النفس، والقرض هو الذي يجرى بدله.
قوله :﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾.
أي : ما غاب وحضر، " وهُوَ العَزيزُ " الغالب القاهر، فهو من صفات الأفعال، ومنه قوله - عز وجل - :﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم﴾ [الزمر : ١] أي : من الله القاهر المُحءكم خالق الأشياء.
وقال الخطابي : وقد يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال منه :" عَزَّ يَعِزُّ - بكسر العين - فيكون معنى العَزِيز على هذا أنه لا يعادله شيء وأنه لا مثل له " الحَكِيمُ " في تدبير خلقه.
وقال ابن الأنباري :" الحَكِيمُ " هو المُحْكِم الخلق للأشياء، صرف عن " مفعل " إلى " فعيل " ومنه قوله - عز وجل - ﴿الاما تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [لقمان : ١، ٢].
١٤٠
فصرف عن " مفعل " إلى " فعيل " والله أعلم.
روى الثعلبي عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ﷺ :" مَا مِنْ مولُودٍ يُولَدُ إلاَّ وهو على الفطرة فِي تَشَابِيكِ مَكتُوبٌ خَمْسٌ آيَاتٍ من فَاتحةِ سُورةِ التَّغَابنِ " وعن رزّ بن حبيش قال :" قال رسول الله ﷺ :" مَن قَرَأ سُورَةَ التَّغَابُنِ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْتَ الفُجَاءَةِ " والله علم.
١٤١
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٣٥


الصفحة التالية
Icon