مذهب الشافعي.
لولا قوله بعد ذلك :﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ [الطلاق : ١]، وهذا يبطل دخول الثلاث تحت الآية، وبذلك قال أكثر العلماء.
قال القرطبي : وأما مالك فلم يخف عليه إطلاق الآية، ولكن الحديث فسرها، وأما قول الشعبي فمردود بحديث ابن عمر.
واحتج الشافعي بأن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية وهي أم أبي سلمة ثلاث تطليقات في كلمة واحدة، ولم يبلغنا أن أحداً من الصحابة عاب ذلك عليه.
وأن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد رسول الله ﷺ ثلاث تطليقات في كلمة واحدة، فأبانها منه رسول الله ﷺ، ولم يبلغنا أن رسول الله ﷺ عاب ذلك عليه.
وبحديث عويمر العجلاني، لما لاعن، قال : يا رسول الله، هي طالق ثلاثة، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل في نزول العدة للطلاق روى أبو داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، أنها طلقت على عهد رسول الله ﷺ ولم يكُن للمطلقة عدة فأنزل الله - تعالى - حين طلقت أسماء العدّة للطلاق، فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق.
قوله :﴿وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ﴾.
يعني في المدخول بها، أي : احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق.
قيل : أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثاً، وقيل : للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعة أمر النفقة والسكن.
وفي المخاطب الإحصاء أقوال.
أحدها : أنهم الأزواج.
والثاني : هم الزوجات.
والثالث : هم المسلمون.
قال ابن العربي : والصحيح أنهم الأزواج ؛ لأن الضمائر كلها من " طَلَّقتُمْ "، و " أحْصُوا العِدَّة " و " لا تُخْرجُوهُنَّ " على نظام واحد، فرجع إلى الأزواج، ولكن
١٤٩
الزوجات داخلة فيه بالإلحاق، لأن الزوج يُحْصِي ليراجع، وينفق أو يقطع، وليسكن أو يخرج، وليلحق نسبه أو يقطع، وهذه أمور كلها مشتركة بينه وبين المرأة، وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك وكذلك الحاكم يفتقر إلى إحصاء العدة للفَتْوَى عليها، وفصل الخصومة عند المنازعة، وهذه فوائد الأمر بإحصاء العدّة.
قوله :﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾.
أي : لا تعصوه.
﴿لا تخرجوهنَّ من بيوتهنَّ﴾.
أي : ليس للزَّوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدّة، ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثِمَتْ، ولا تنقطع العدّة.
فإن قيل : ما الحِكمةُ في قوله تعالى :﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾ ولم يقتصر على قوله ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ﴾ ؟.
فالجواب : إن في هذا من المبالغة ما ليس في ذلك، فإن لفظ الرَّبِّ يفهم منه التربية، وينبه على كثرة الإنعام بوجوه كثيرة، فيبالغون في التَّقوى حينئذ خوفاً من فوت تلك التربية.

فصل في الرجعية والمبتوتة.


والرجعية والمبتوتة في هذا سواء، وذلك لصيانة ماء الرجل، وهذا معنى إضافة البيوت إليهن، كقوله تعالى :﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب : ٢٤]، وقوله تعالى :﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب : ٣٣] فهو إضافة إسكان لا إضافة تمليك، وقوله ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ﴾ يقتضي أن يكون حقّاً على الأزواج، وقوله :﴿ولا يخرجن﴾ يقتضي أنه حق على الزوجات، فلا يجوز لها أن تخرج ما لم تنقض عدتها، فلها أن تخرج إلى ضرورة أو حاجة أثمت، فإن وقعت ضرورة أو خافت هدماً أو غرقاً، فلها أن تخرج إلى منزل آخر، وكذلك إن كانت لها حاجة من بيع غَزْل أو شراء قطن، فيجوز لها الخروج نهاراً ولا يجوز ليلاً ؛ فإن رجالاً استشهدوا بـ " أحد "، فقالت نساؤهم : نستوحش في بيوتنا فإذِنَ لهن النبي ﷺ أن يتحدثن عند إحداهن، إذا كان وقت الليل تأويل كل امرأة إلى بيتها.
وأذن النبي ﷺ لخالة جابر لما طلقها زوجها أن تخرج لجداد نخلها.
وإذا لزمتها العدة في السفر تعتد ذاهبة وجائية، والبدوية تَنْتَوي حيث يَنْتَوي أهلها في العدة، لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم.
١٥٠


الصفحة التالية
Icon