وروى الحسن عن عمران بن الحصين قال :" قال رسول الله ﷺ :" مَن انقَطَعَ إلى اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ كُلَّ مَؤونةٍ ورَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، ومن انقطع إلى الدُّنيا وكلها اللَّهُ إليهِ " وقال الزجاج : أي : إذا اتقى وآثر الحلال والصبر على أهله فتح الله عليه إن كان ذا ضيق ورزقه من حث لا يحتسب.
وعن ابن عباس :" أن رسول الله ﷺ قال :" مَنْ أكْثَرَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ من كُلِّ هَمٍّ فَرجاً، ومِن كُلِّ ضيقٍ مَخْرَجاً، ورَزقَهُ مشنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ " قوله :﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.
أن من فوّض إليه أمره كفاهُ ما أهمَّه.
وقيل : من اتقى الله وجانب المعاصي وتوكل عليه فله فيما يعطيه في الآخرة من ثوابه كفاية، ولم يرد الدنيا ؛ لأن المتوكل قد يصاب في الدنيا وقد يقتل.
" وقال - عليه الصلاة والسلام - :" لَوْ أنَّكُمْ تَتوكَّلُونَ على اللَّهِ حقَّ تَوكُّلِهِ لرزقَكُم كَمَا يَرزقُ الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصاً وتَرُوحُ بِطَاناً " قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾.
قرأ حفص :" بَالِغُ " من غير تنوين " أمْرِهِ " مضاف إليه على التخفيف.
والباقون : بالتنوين والنصب، وهو الأصل، خلافا لأبي حيان.
وقرأ ابن أبي عبلة وداود بن أبي هند، وأبو عمرو في رواية :" بَالِغٌ أمْرُهُ " بتنوين " بالغ " ورفع " أمره ".
وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون " بالغ " خبراً مقدماً، و " أمره " مبتدأ مؤخر، والجملة خبر " إن ".
والثاني : أن يكون " بالغ " خبر " إن " و " أمره " فاعل به.
قال الفراء : أي : أمره بالغ.
وقيل :" أمره " مرتفع بـ " بالغ " والمفعول محذوف، والتقدير : بالغ أمره ما أراد.
١٥٩
وقرأ المفضل :" بالغاً " بالنصب، " أمرُه " بالرفع.
وفيه وجهان : أظهرهما : وهو تخريج الزمخشري : أن يكون " بالغاً " نصباً على الحال، و ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ﴾ هو خبر " إن " تقديره : إن الله قد جعل لكل شيء قدراً بالغاً أمره.
والثاني : أن يكون على لغة من ينصب الاسم والخبر بها، كقوله :[الطويل] ٤٧٨٢ -.........................
...............
إنَّ حُرَّاسنَا أسْدَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٥٣
ويكون " قَدْ جَعَلَ " مستأنفاً كام في القراءة الشهيرة.
ومن رفع " أمره " فمفعول " بالغ " محذوف، تقديره : ما شاء، كما تقدم في القرطبي.
فصل في معنى الآية قال مسروق : يعني قاضٍ أمره فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه إلا أن من توكل عليه يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً.
قوله :﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
قيل : إن من قوله تعالى :﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ إلى قوله :﴿مَخْرَجاً﴾ آية، ومنه إلى قوله تعالى :﴿قَدْراً﴾ آية أخرى، وعند الكوفي والمدني المجموع آية واحدة.
وقرأ جناح بن حبيش :" قَدراً " بفتح الدال.
والمعنى : لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ينتهي إليه.
وقيل : تقديراً.
وقال السدي : هو قدر الحيض في الأجل والعدة.
وقال عبد الله بن رافع : لما نزل قوله تعالى :﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ فقال أصحاب النبي ﷺ :" فَنَحْنُ إذَا توكلنَا عليْهِ يُرسِلُ مَا كَانَ لَنَا وَلاَ نَحْفَظُهُ "، فنزلت :﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ فيكم وعليكم.
وقال الربيع بن خيثم : إنَّ الله قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به
١٦٠
هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجَّاه، ومن دعاه أجاب له.
وتصديق ذلك في كتاب الله :﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن : ١١]، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، ﴿إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ﴾ [التغابن : ١٧] ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران : ١٠١]، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة : ١٨٦].
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٥٣