وقرأ العامة :" وجدكم " بضم الواو.
والحسن، والأعرج، وأبو حيوة : بتفحها.
والفياض بن غزوان وعمرو بن ميمون ويعقوب : بكسرها.
وهي لغات بمعنى واحد.
يقال : وجدت في المال أحد وُجْداً وجدة، والوُجْد : الغِنَى والقُدرة، والوَجْد بفتح الواو : الحُزْن أيضاً والحب والغضب.
فصل في تفسير الآية.
قال القرطبي : روى أشهب عن مالك : يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل لقوله تعالى :﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾، فلو كان معها ما قال أسكنوهن.
وقال ابن نافع : قال مالك في قوله تعالى ﴿أَسْكِنُوهُنَ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ يعني المطلقات اللاتي بنَّ من أزواجهن فلا رجعة له عليهن، وليست حاملاً، فلها السُّكنَى، ولا نفقة لها ولا كُسْوة ؛ لأنها بائن منه، ولا يتوارثان ولا رجعة له عليها، وإن كانت حاملاً فلها الكسوة والنفقة والمسكن حتى تنقضي عدتها.
قال البغوي : ونعني بالكسوة مؤونة السكن، فإن كانت الدار التي طلقها فيها ملكاً للزوج وجب على الزوج أن يخرج ويترك الدار لها مدة عدتها، وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة، وإن كانت عاريةً فرجع المعير فيها فعليه أن يكتري لها داراً تسكنها، فأما من لم تَبِنْ منه، فإنها امرأته يتوارثان، ولا تخرج إلا بإذن زوجها ما دامت في العدة ولم يؤمر بالسكن للبائن، قال تعالى :﴿وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ فجعل الله - عز وجل - للحوامل البائنات من أزواجهن السكنى والنفقة.
قال ابن العربي :" إن الله - تعالى - لما ذكر السكنى أطلقها لكل مطلقة، فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها ".
قال القرطبي : اختلف العلماء في المطلقة ثلاثاً على ثلاثة أقوال : فمذهب مالك والشافعي : أن لها السَّكنى ولا نفقة لها.
١٦٨
ومذهب أبي حنيفة وأصحابه : أن لها السكنى والنفقة.
ومذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور : لا نفقة لها ولا سُكنى، لحديث فاطمة بنت قيس " قالت : دخلت على رسول الله ﷺ ومعنى أخو زوجي، فقلت إن زوجي طلقني، وإن هذا يزعم أنه ليس لي سُكءنَى ولا نفقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسل : بل لك السُّكنى والنفقة، قال : إن زوجها طلَّقها ثلاثاً، فقال النبي ﷺ : إنَّمَا السُّكْنَى والنَّفقةُ على من لَهُ عليْهَا رَجْعَةٌ، فَلمَّا قدمتُ " الكُوفَة " طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك، وإن أصحاب عبد الله يقولون : إن لها السكنى والنفقة " وعن الشعبي قال : ليقني الأسود بن يزيد، فقال : يا شعبي، اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيسٍ، فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة، قلت : لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأنه لو كان لها سكنى لما أمر النبي ﷺ أن تعتدَّ في بيت ابن أم مكتومٍ.
وأجيب عن ذلك بما روت عائشة أنها قالت : كانت فاطمة في مكان وحش، فخيف على ناحيتها.
وقال سعيد بن المسيب : إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها.
وقال قتادة وابن أبي ليلى : لا سكنى إلا للرجعية، لقوله تعالى :﴿لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾، وقوله تعالى :﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾ راجع إلى ما قبله، وهي المطلقة الرجعية.
فصل في المعتدة عن وطء الشبهة قال البغوي :" وأما المُعتدَّة عن وطء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيْبِ أو خيار عتق، فلا سُكْنَى لها ولا نفقة، وإن كانت حاملاً، والمعتدة من وفاة زوج لا نفقة لها حاملاً كانت أو حائلاً عند أكثر العلماء، وروي عن عليٍّ أن لها النفقة إن كانت حاملاً في التركة حتى تضع، وهو قول شريح والشعبي والنخعي والثوري.
واختلفوا في سكناها : فللشافعي قولان : أحدهما : لا سكنى لها بل تعتدّ حيث شاءت، وهو قول عبي وابن عبَّاس وعائشة، وبه قال عطاء والحسن، وهو مذهب أبي حنيفة.
١٦٩