قوله :﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾.
تكرير للوعيد توكيداً.
وجوز الزمخشري أن يكون " عَتَتْ " وما عطف عليه صفة لـ " قَرْيَةٍ "، ويكون الخبر لـ " كأيٍّ " في الجملة من قوله :﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾.
وعلى الأول يكون الخبر " عَتَت " وما عطف عليه.
قوله :﴿الَّذِينَ آمَنُواْ﴾.
منصوب بإضمار أعني، بياناً للمنادى في قوله :﴿يا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ أي : العُقُول : ويكون عطف بيان للمنادى أو نعتاً له، ويضعف كونه بدلاً لعدم حلوله محل المبدل منه.
قوله :﴿قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً﴾.
في نصب " رسولاً " أوجه : أحدها : قال الزجاج والفارسي : إنه منصوب بالمصدر المنون قبله ؛ لأنه ينحل رحف مصدري وفعل، كأنه قيل : أن ذكر رسولاً، ويكون ذكره الرسول قوله ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح : ٢٩]، والمصدر المنون عامل كقوله تعالى :﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً﴾ [البلد : ١٤، ١٥].
وقول الآخر :﴿الوافر] ٤٧٨٣ - بِضَرْبِ بالسُّيُوفِ رُءُوسَ قَوْمٍ
أزَلْنَا هَامَهُنَّ عنِ المَقِيلِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٧٧
الثاني : أنه جعل نفس الذكر مبالغة، ويكون محمولاً على المعنى، كأنه قال : قد أظهر لكم ذكراً رسولاً، فيكون من باب بدل الشَّيء من الشَّيء وهو هو.
الثالث : أنه بدل منه على حذف مضاف من الأول، تقديره : أنزل ذا ذكر رسولاً.
الرابع : كذلك، إلا أن " رسولاً " نعت لذلك المحذوف.
الخامس : أنه بدل منه على حذف مضاف، أي ذكراً ذا رسول.
السادس : أن يكون " رَسُولاً " نعتاً لـ " ذِكْراً " أو على حذف مضاف، أي : ذكراً ذا رسول، و " ذا " رسول نعتاً لـ " ذِكْراً ".
السابع : أن يكون " رسولاً " بمعنى رسالة، فيكون " رسولاً " بدلاً صريحاً من غير تأويل، أو بيناً عند من يرى جريانه في النكرات كالفارسي، إلا أن هذا يبعده قوله " يَتْلُو عَلَيْكُم " لأن الرسالة لا تتلو إلا بمجاز.
١٧٨
الثامن : أن يكون " رَسُولاً " منصوب بفعل مقدر، أي : أرسل رسولاً، لدلالة ما تقدَّم عليه.
قال البغوي : كأنه قيل : أنزل إليكم قرآناً وأرسل رسولاً.
وقيل : مع رسول.
التاسع : أن يكون منصوباً على الإغراء : أي : اتبعوا والزموا رسولاً هذه صفته.

فصل في قوله : رسولاً اختلف الناس في " رسولاً "، هل هو النبي ﷺ أو القرآن نفسه أو جبريل.


قال الزمخشري :" هو جبريل أبدل من " ذكراً " لأنه وصف بتلاوة آيات الله، فكان إنزاله في معنى إنزال الذِّكر، فصح إبداله منه ".
قال أبو حيَّان :" ولا يصحّ هذا لتباين المدلولين بالحقيقة، ولكونه لا يكون بدل بعض، ولا بدل اشتمال ".
انتهى.
قال شهاب الدين :"، هذا الذي قاله الزمخشري سبقه إليه الكلبي، وأما اعتراضه عليه، فغير لازم ؛ لأنه بولغ فيه حتى جعل نفس الذكر كما تقدم بيانه ".
وقرىء :" رسول " بالرفع على إضمار مبتدأ، أي : هو رسول.
وقيل : الذكر هنا الشَّرف كقوله تعالى :{لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء : ١٠] وقوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف : ٤٤] ثم بين الشرف فقال :" رَسُولاً "، والأكثر على أن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الكلبي : هو جبريل، فيكونان جميعاً منزلين.
قوله :﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ﴾.
نعت لـ " الرسول "، و " آيَاتِ اللَّهِ " القرآن.
و " مبيِّنَاتٍ " قرأ العامة : بفتح الياء، أي : يبينها الله، وبها قرأ ابن عباس، وهي اختيار أبي عبيد، وأبي حاتم، لقوله تعالى :﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ﴾ [آل عمران : ١١٨].
وقرأ ابن عامر، وحفص، وحمزة، والكسائي : بكسرها، أي : يبين لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام.
قوله :﴿لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
الجار متعلق إما بـ " أنزل " وإما بـ " يتلو ".
١٧٩
وفاعل " يخرج " إما ضمير الباري - تعالى - المنزل، أو ضمير الرسُول، أو الذكر.
والمراد بالذين آمنوا من سبق له ذلك في علم الله.
وقوله :﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
أي : من الكفر إلى الهدى والإيمان.
قال ابن عباس : نزلت في مؤمني أهل الكتاب، وأضاف الإخراج إلى الرسُول ؛ لأن الإيمان إنما حصل بطاعته.
قوله :﴿وَمَن يُؤْمِن﴾.
هذا أحد المواضع التي رُوعي فيها اللفظ أولاً ثم المعنى ثانياً، ثم اللفظ آخراً.
قوله :﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ قرأ نافع وابن عامر : بالنون، والباقون : بالياء.
وقوله :" خَالِدينَ ".
قال بعضهم : ليس قوله " خالدين " فيه ضمير عائد على " من " إنما يعود على مفعول " يُدخِلْهُ " و " خَالِدينَ " حال منه والعامل فيه " يدخله " لا فعل الشَّرط.
هذه عبارة أبي حيَّان.
وفيها نظر، لأن " خَالدِينَ " حال من مفعول " يُدْخلهُ " عند القائلين بالقول الأول، وكان إصلاح العبارة أن يقال : حال من مفعول " يُدْخِلهُ " الثاني وهو " جنَّاتٍ ".
والخلود في الحقيقة لأصحابها، وكان ينبغي على رأي البصريين أن يقال :﴿خالدين هم فيها﴾ لجريان الوصف على غير من هو له.
قوله :﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ﴾.
حال ثانية.
أو حال من المضير في " خَالِدينَ "، فتكون متداخلة.
ومعنى قوله :﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً﴾، أي : وسَّع له في الجنَّات.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٧٧


الصفحة التالية
Icon