وأصلها :" تَحْلِلَة " كـ " تَكْرِمَة " فأدغمت، وانتصابها على المفعول به.

فصل في تكفير النبي عن هذه اليمين قيل : إن النبي ﷺ كفر عن يمينه.


وقال الحسنُ : لم يكفر، لأن النبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر.
وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة، والأول أصح، وإن المراد بذلك النبي ﷺ، ثم إن الأمة تقتدي به في ذلك، وقد تقدم عن زيد بن أسلم أنه - عليه الصلاة والسلام - كفر بعتق رقبةٍ.
وعن مقاتل :" أن رسول الله ﷺ أعتق رقبةً في تحريم مارية " والله أعلم.
فصل في الاستثناء في المين قبل : قد فرض الله لكم تحليل ملك اليمين، فبين في قوله تعالى :﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ﴾ [الأحزاب : ٣٨]، أي : فيما شرعه له في النساء المحللات، أي : حلل لكم ملك اليمين، فلم تحرم مارية في نفسك مع تحليل الله إياها لك.
وقيل : تحلة اليمين الاستثناء، أي : فرض اللَّهُ لكم الاستثناء المخرج عن اليمين، ثم عند قوم يجوز الاستثناء من الأيمان متى شاء، وإن تخَلَّلَ مُدَّةٌ.
وعند الجمهور لا يجوز إلا متصلاً، فكأنه قال :" استثن بعد هذا فيما تحلف عليه " وتحلة اليمين تحليلها بالكفارة.
قال القرطبيُّ :" والأصل " تحللة "، فأدغمت، و " تَفْعِلَة " من مصادر " فَعَّل " كالتوصية والتسمية، فالتحلية تحليل اليمين، فكأن اليمين عقد، والكفارة حلٌّ وقيل : التحلة الكفارة، أي : أنها تحلُّ للحالف ما حرَّم على نفسه، أي إذا كفر صار كمن لم يحلف ".
١٩٢

فصل قال ابن الخطيب : وتحلة القسم على وجهين : أحدهما : تحليلة بالكفارة كما في هذه الآية.


وثانيهما : أن يستعمل بمعنى الشيء القليل وهذا الاكثر، كما روي من " قوله - عليه الصلاة والسلام - :" لَنْ تَلِجَ النَّارَ إلا تحِلَّةَ القسمِ " أي : زماناً يسيراً.
وقرىء :" كفَّارة أيمانِكُم ".
قوله :﴿وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ﴾.
أي : وليّكم وناصركم في إزالة الحظر، فيما تحرمونه على أنفسكم، وبالترخيص لكم في تحليل أيمانكم بالكفَّارة، وبالثواب على ما تخرجونه في الكفارة ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٨٤
قوله :﴿وَإِذَ أَسَرَّ﴾.
العامل فيه " اذكر " فهو مفعول به لا ظرف.
والمعنى : اذكر إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه، يعني حفصة " حَدِيثاً " يعني تحريم مارية على نفسه واستكتامه إياها ذلك.
وقال الكلبيُّ : أسرَّ إليها أن أبا عائشة يكونان [خليفتين] من بعدي على أمَّتي.
وقال ابن عباس : أسرّ أمر الخلافة بعده إلى حفصة، فذكرته حفصة.
١٩٣
روى الدارقطني في سننه عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى :﴿وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً﴾، قال :" اطلعت حفصة على النبي ﷺ مع أم إبراهيم، فقال :" لا تُخبري عائِشَة، قال : فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة فأظهره اللَّهُ عليه "، ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾، قال : أعرض عن قولها :" إن أباك وأباها يكُونانِ خَليفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِي "، كره رسول الله ﷺ أن ينشر ذلك بين الناس.
﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ أخبرت عائشة لماصافاة كانت بينهما، وكانتا متظاهرتين على زوجات النبي ﷺ ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أي : أطلعه الله على أنها قد نبأت به.
قوله :﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾.
أصل " نَبَّأ وأنْبَأ، وأخبر وخبّر، وحدّث " أن يتعدى لاثنين [إلى] الأول بنفسها : وإلى الثاني بحرف الجر، وقد يحذف الجار تخفيفاً، وقد يحذف الأول للدلالة عليه، وقد جاءت الاستعمالات الثلاثة في هذه الآية فقوله :﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ تعدى لاثنين، حذف أولهما، والثاني مجرور بالباء، أي :" نَبَّأتْ بِهِ غيْرهَا "، وقوله :﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ ذكرهما، وقوله :﴿مَنْ أَنبَأَكَ هَـاذَا﴾ ذكرهما، وحذف الجار.
وقرأ طلحة بن مصرف :" فلمَّا أنْبَأت "، وهما لغتان " نَبَّأ وأنْبَأ ".
قوله :﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾.
قرأ الكسائي : بتخفيف الراء.
قال القرطبي :" وبها قرأ علي، وطلحة بن مصرف، وأبو عبيد الرحمن السلمي وقتادة والكلبي والأعمش عن أبي بكر ".
قال عطاء : كان أبو عبد الرحم السلمي إذا قرأ عليه الرجل " عَرَّفَ " مشددة حصبة بالحجارة.
وقرأ الباقون : بتشديد الراء.
فالتثقيل يكون المفعول الأول معه محذوفاً، أي " عرَّفَهَا بَعْضَه "، أي : وقفها عليه على سبيل العَتْب.
١٩٤


الصفحة التالية
Icon