والأحسن في هذا الباب الجمع، ثم الإفراد، ثم التثنية.
وقال ابن عصفور، لا يجوز الإفراد إلاَّ في ضرورة ؛ كقوله :[الطويل] ١٧٨٧ - حَمَامَةُ بَطْنِ الواديَيْنِ تَرَنَّمِي
سَقاكِ من الغُرِّ الغَوادِي مَطيرهَا
وتبعه أبو حيان، وغلط ابن مالك في كونه جعلهُ أحسن من التثنية.
وليس بلغط الكراهةِ توالي تثنيتين مع أمن اللبس.
وقوله :" إنْ تَتُوبَا " فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
فصل في المراد بهذا الخطاب.
المراد بهذا الخطاب أُمَّا المؤمنين بنتا الشيخين الكريمين : عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - حثّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله ﷺ، ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ أي : زاغت ومالت عن الحق، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله ﷺ من اجتناب جاريته واجتناب العسلِ، وكان ﷺ يحب العسل والنِّساء.
١٩٧
قال ابن زيد رضي الله عنه مالت قلوبكما بأن سرهما أن يحتبس عن أم ولده، فسرهما ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل : فقد مالتْ قُلوبكُمَا إلى التوبة.
قوله :﴿وَإِن تَظَاهَرَا﴾.
أصله :" تَتَظاهَرَا " فأدغم، وهذه قراءة العامة.
وقرأ عكرمة :" تَتَظَاهَرَا " على الأصل.
والحسن وأبو رجاء، ونافع، وعاصم في رواية عنهما : بتشديد الظَّاء والهاء دون ألف، وكلها بمعنى المعاونةِ من الظهر ؛ لأنه أقوى الأعضاء وأجلها.
فصل في معنى تتظاهرا معنى تتظاهرا، أي : تتعاونا على النبي ﷺ بالمعصية والإيذاء.
روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مكثت سنةً، وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجع وكنا ببع ضالطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، فوقفت، حتى فرغ ثم سرت معه بإداوة ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضَّأ، فلما رجع قلت : يا أمير المؤمنين، من اللَّتان تظاهرتا على النبي ﷺ ؟.
فقال : تلك حفصة وعائشة، قال : فقلت له : والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبةً لك، قال : فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه فإن كنت أعلمه أخبرتك.
وذكر الحديث.
قوله :﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ﴾.
يجوز أن يكون " هو " فصلاً، و " مَولاهُ " خبره والمبتدأ جملة " إنَّ ".
والمعنى : الله وليُّه وناصره، فلا يضره ذلك التَّظاهر منها.
قوله :﴿وَجِبْرِيلُ﴾.
يجوز أن يكون عطفاً على اسم الله تعالى.
والمعنى : الله وليه، وجبريل وليه، فلا يوقف على " مَولاهُ " ويوقف على جبريل.
ويكون ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ مبتدأ، " والملائكة " معطوفاً عليه، والخبر " ظَهِيرٌ " ورفع
١٩٨
" جبريل " نظراً إلى محل اسم " إن " وذلك بعد استكمال خبرها وقد تقدم مذاهب الناس في ذلك.
ويكون " جِبْريلٌ " وما بعده داخلين في الولاية لرسول الله ﷺ ويكون " جبريل " ظهيراً له بدخوله في عموم الملائكة.
ويكون " الملائكةُ " مبتدأ، و " ظهيراً " خبره، وأفرد لأنه بزنة " فَعِيل ".
قال القرطبيُّ :" هو بمعنى الجمع ".
قال أبو علي : قد جاء " فعيل " للكثرة، قال تعالى :﴿وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ [المعارج : ١١].
ومعنى :" ظهيرٌ " أي : أعوان، وهو في معنى ظهراء كقوله تعالى :﴿وَحَسُنَ أُولَـائِكَ رَفِيقاً﴾ [النساء : ٦٩].
ويجوز أن يكون الكلام تم عند قوله " مَولاهُ "، ويكون " جبريلُ " مبتدأ، وما بعده عطف عليه، و " ظهيراٌ " خبر الجميع، فتختص الولاية بالله، ويكون جبريل قد ذكر في المعاونة مرتين، مرة بالتنصيصِ عليه، ومرة بدخوله في عموم الملائكةِ.
وهذا عكس ما في " البقرة " في قوله تعالى :﴿مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلا اائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ﴾ [البقرة : ٩٨]، فإذنه ذكر الخاص بعد العام تشريفاً له، وهناك ذكر العام بعد الخاص، ولم يذكر الناس إلا القسم الأول.
قوله :﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
قال المسيِّبُ بن شريكٍ :﴿وَصَلِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أبو بكر.
وقال سعيد بن جبيرٍ : هو عمر.
وقال عكرمة : أبو بكر وعمر.
١٩٩