أحدها : أنه مفعول له، أي : لأجل النصح الحاصل نفعه عليكم.
والثاني : أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف، أي : ينصحهم نصحاً.
الثالث : أنه صفة لها، إما على المبالغة على أنها نفس المصدر، أو على حذف مضاف، أي : ذات نصوح.
وقرأ زيد بن عليّ :" تَوْباً " دون تاء.
فصل في تعلق هذه الآية بقوله يا أيها الذين كفروا قال ابن الخطيب : وجه تعلق هذه الآية بقوله :﴿ يا أيها الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أنه - تعالى - نبّههم على رفعِ العذاب في ذلك اليوم، بالتوبة في الدنيا، إذ في ذلك اليوم لا تفيدُ التوبةُ.
فصل أمر بالتَّوبة، وهي فرض على الأعيان في كُلِّ الأحوال، وكُلِّ الأزمان واختلفوا في التوبة النَّصُوح : فقيل : هي التي لا عودة بعدها، كما لا يعود اللَّبن إلى الضرع.
روي عن عمر، وابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، ورفعه معاذٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة :" النَّصُوحُ " الصَّادقة الخالصة.
٢١٠
وقيل : الخالصة.
يقال : نصح له، أي : أخلص له القول.
وقال الحسن :" النَّصُوحُ " أن يبغض الذنب الذي أحبه، ويستغفر منه إذا ذكره.
وقيل : هي التي لا يثق بقبولها، ويكون على وجلٍ منها.
وقال الكلبيُّ : التوبة النَّصوح، الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والعزم على ألاَّ يعود.
وقيل غير ذلك.
فصل في الأشياء التي يُتَاب منها قال بعض العلماءِ : الذنبُ الذي لا يكونُ منه التوبةُ لا يخلو، إما أن يكون حقاً لله أو للآدميين، فإن كان حقاً لله عز وجل كتركِ صلاة، أو صوم أو تفريط في زكاة ؛ فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها.
وإن كان قتل نفساً بغير حقٍّ، لإإن تمكن من القصاص منه إن طلب به، فإن عُفِيَ عنه كفاه النَّدم، والعزم على ترك العودِ بالإخلاص، وكذلك إن عُفِي عنه في القَتْل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجداً له، قال تعالى :﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة : ١٧٨].
وإن كان ذلك من حدود الله - ما كان - فإنه إذا تاب إلى الله - تعالى - بالندم الصحيح سقط منه، وقد نصَّ الله - تعالى - على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم، كما تقدم.
وكذلك الشُّرَّاب، والسُّراق، والزُّناة إذا صلحوا، وتابوا، وعرف ذلك منهم، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم، وإن رفعوا إليه فقالوا : تُبْنا لم يتركهم في هذه الحال كالمحاربين إذا غلبوا، هذا مذهب الشافعي.
فإن كان الذنبُ من مظالم العباد، فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه، والخروج عنه - عيناً كان أو غيره - إن كان قادراً عليه، فإن لم يكن قادراً، فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت، وأسرعه.
وإن كان لواحد من المسلمين، وذلك الواحد لا يشعر به، ولا يدري من أين أتى، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه، ويستغفر له، فإذا عفى، فقد سقط الذنب عنه، وإن أرسل من يسأل ذلك له، فعفى ذلك المظلوم عن ظلمه عرفه بعينه، أو لم يعرفه، فذلك صحيح.
٢١١
وإن أساء رجل إلى رجل، بأن فزعه بغير حق، أو غمه، أو لطمه، أو صفعة بغير حق، أو ضربه بسوط وآلمه، ثم جاء مستعفياً نادماً على ما كان منه عازماً على ألا يعود فلم يزل يتذلل له، حتى طابت نفسه فعفا عنه، سقط الذَّنب عنه، وهكذا إن شتمه بشتمٍ لا حدَّ فيه.
قوله :﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾.
" عَسَى " من الله واجبةً، وهو معنى قوله - عليه الصلاة والسلام - :" التَّائِبُ من الذَّنْبِ كمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ " و " أنْ " في موضع نصب.
قوله :" ويُدخِلَكُمْ ".
معطوف على " يُكَفِّرَ ".
قرأ العامة : بالنصب.
وابن أبي عبلة : بسكون اللام.
فاحتمل أن يكون من إجراء المنفصلِ مجرى المتصل، فسلبت الحركة ؛ لأنه يتحلل من مجموع " يُكفَّرَ عَنْكُم " مثل " نطع وقمع " فيقال : فيهما : نَطْع وقَمْع.
ويحتمل أن يكون عطفاً على محل " عَسَى أن يُكَفِّرَ " كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم، ويدخلكم، قاله الزمخشري.
يعني أن " عَسَى " في محل جزم جواباً للأمر ؛ لأنه لو وقع موقعها مضارع لانجزم كما مثل به الزمخشري.
وفيه نظر ؛ لأنا لا نسلم أن " عَسَى " جوابٌ ولا تقع جواباً ؛ لأنها للإنشاء.
قوله :﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ﴾.
" يَوْمَ " منصوب بـ " يُدخِلَكُم "، أو بإضمار " اذْكُرْ ".
ومعنى " يُخْزِي " هنا : يعذب، أي : لا يعذبه، ولا يعاقب الذين آمنوا معه.
قالت المعتزلة : قوله تعالى :﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ يدل على أنه لا يعذب الذين آمنوا ؛ لأن الإخزاء يقع بالعذاب، ولو كان أصحاب الكبائر من أهل الإيمان لم يخفف عليهم العذاب.
قال ابنُ الخطيب : وأجاب أهل السُنة بأنه - تعالى - وعد أهل الإيمان بألاَّ يخزيهم.
٢١٢