وعبد الله :" فِيْهَا " أي : في الجملة.
وقد تقدم في " الأنبياء " مثله.
والعامة أيضاً :" وصَدَّقتْ " بتشديد الدال.
ويعقوب وقتادة وأبو مجلز، وعاصم في رواية : بتخفيفها، أي : صدقت فيما أخبرت به من أمر عيسى.
والعامة على :" بِكَلمَاتٍ " جمعاً.
والحسن ومجاهد والجحدري :" بِكلمَةِ " بالإفراد.
فقيل : المراد بها عيسى ؛ لأنه كلمةُ الله.

فصل في مريم ابنة عمران ضرب الله مثلاً بمريم ابنة عمران وصبرها على أذى اليهود.


وقوله : الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} عن الفواحش.
وقال المفسرون هنا : أراد بالفرج الجيب، لقوله ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ وجبريل - عليه السلام - إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها.
وهي في قراءة أبيٍّ :﴿فنفخنا في جيبها من روحنا﴾، وكل خرق في الثوب يسمى فرجاً، ومنه قوله تعالى :﴿وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾.
ويحتمل أن يكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها.
ومعنى " فَنَفَخْنَا " أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها " مِنْ رُوحِنَا " أي : روحاً من أرواحنا وهي روح عيسى، وقوله :﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾ أي : قول جبريل لها :﴿إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ﴾ [مريم : ١٩] الآية.
وقال مقاتل : يعني بالكلمات عيسى، وأنه نبيّ وعيسى كلمة الله كما تقدم.
وقيل :﴿بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾ يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة.
قوله :﴿وَكُتُبِهِ﴾.
قرأ أهل " البَصْرة " وحفص :" وكُتُبِهِ " على الجمع.
وقرأ الأخرون :" وكِتَابِهِ " على التوحيد.
٢١٩
والمراد منه الكثرة، فالمراد به الجِنْس، فيكون في معنى كل كتاب أنزل الله تعالى.
وقرأ أبو رجاء :" وَكُتْبِهِ " بسكون التاء، وهو تخفيف حسن.
وروي عنه :" وكَتْبِهِ " بفتح الكاف.
قال أبو الفضل : مصدر وضع موضع الاسم، يعني ومكتوبه.

فصل في المراد بالكتب أراد الكتب التي أنزلتْ على إبراهيم، وموسى، وداود، وعيسى.


وقوله :﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.
يجوز في " مِن " وجهان : أحدهما : أنها لابتداء الغاية.
والثاني : أنها للتبعيض، وقد ذكرهما الزمخشريُّ، فقال : و " مِنْ " للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية، على أنها ولدت من القانتين ؛ لأنها من أعقاب هارون أخي موسى صلوات الله على نبيِّنا وعليهما وعلى سائر الأنبياء وآلهم.
قال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل :﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ على التذكير ؟ قلت : القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين فغلب ذكوره على إناثه.
ويجوز أن يرجع إلى أهل بيتها، فإنهم كانوا مطيعين لله، والقنوت : الطاعة.
وقال عطاء : من المصلّين بين المغرب والعشاء.
وعن معاذ بن جبلٍ :" أن النبي ﷺ قال لخديجة وهي تجود بنفسها : أتكرهين ما قد نزل بك، وقد جعل اللَّهُ في الكره خيراً، فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهنّ منِّي السَّلام مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم وكليمة - أو قال : حليمة - بنت عمران أخت موسى بن عمران، فقالت : بالرفاء والبنين يا رسول الله " [قال ابن الأثير : الرفاء والبنين : الالتئام والاتفاق والبركة والنَّماء، وهو مهموز : وذكره الهروي في " المعتلّ " قال :" وهو على معنيين : أحدهما : الاتفاق وحسن الاجتماع، والآخر : من الهدوء والسكون، وأما المهموز :
٢٢٠
فمن قولهم : رَفَأتُ الثَّوب رفاءً، ورفوتُه رفواً " انتهى].
وروى قتادة عن أنس " عن النبي ﷺ أنه قال :" حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالمينَ أربعٌ : مَريَمُ ابْنَةُ عِمرانَ، وخَدِيجَةُ بنتُ خُويْلِدٍ، وفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وآسيةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ امرأةُ فِرْعَونَ " روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعب قال :" قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورةَ ﴿ يا أيها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ أعطاهُ اللَّهُ تَوْبَةٌ نَصُوحاً "
٢١٢
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢١٤


الصفحة التالية
Icon