وعن مقاتل :" خَلَقَ المَوْتَ " يعني : النُّطفة والعلقة والمُضغة، وخلق الحياة، يعني خلق إنساناً، ونفخ فيه الروح، فصار إنساناً.
قال القرطبيُّ : وهذا حسن، يدل عليه قوله تعالى :﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قوله :﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾.
متعلق بـ " خلق ".
وقوله :﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ تقدم مثله في أول " هود " [الآية ٧].
وقال الزمخشريُّ هنا :" فإن قلت : من أين تعلق قوله ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، بفعل البلوى ؟ قلت : من حيث إنه تضمن معنى العلم، فكأنه قيل : ليعلمكم أيكم أحسن عملاً، وإذا قلت : علمته أزيد أحسن عملاً أم هو ؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثَّاني من مفعوليه كما تقول : علمته هو أحسن عملاً، فإن قلت : أتسمي هذا تعليقاً ؟ قلت : لا، إنما التعليق ان يقع بعده ما يسد مسدَّ المفعولين جميعاً، كقولك : علمت أيهما عمرو، وعلمت أزيد منطلق، ألا ترى أنه لا فرق بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدراً بحرف الاستفهام وغير مصدر به، ولو كان تعليقاً لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك : عَلِمْتُ أزيدُ منطلق، وعلمت زيداً منطلقاً ".
قال شهاب الدين :" وهذا الذي منع تسميته تعليقاً سماه به غيره ويجعلون تلك الجملة في محل ذلك الاسم الذي يتعدى إليه ذلك الفعل، فيقولون في :" عَرفتُ أيُّهُمْ منطلقٌ " : إن الجملة الاستفهامية في محل نصب على إسقاط الخافضِح لأن " نظر " يتعدى به ".
فصل في اللام في قوله : ليبلوكم قال الزَّجَّاجُ : اللام في " لِيَبْلوَكُمْ " تتعلق بخلقِ الحياة، لا بخلق الموت.
وقال الفراء والزجاج أيضاً : لم تقع البلوى على " أي " لان فيما بين البلوى و " أي " إضمار فعل كما تقول :" بَلوْتُكمْ لأنْظُر أيكم أطوع "، ومثله قوله تعالى :﴿سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ [القلم : ٤٠]، أي : سلهم، ثم انظر أيهم فأيهمن رفع بالابتداء، والمعنى : ليبلوكم ليعلم، او فينظر أيكم أحسن عملاً.
قال ابن الخطيب :" أيُّكُمْ " مبتدأ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
٢٢٥
فصل في الابتلاء الابتلاءُ : هو التجربة، والامتحان، حتى يعلم أنه هل يطيع، أو يعصي، وذلك في حق العالم بجميع المعلومات مُحال، وقد تقدم تحقيق هذه المسألة في قوله تعالى :﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ [البقرة : ١٢٤].
فصل في تفسير الآية قال السديُّ في قوله تعالى :﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أي : أكثر للموت ذكراً وأحسن استعداداً وأشد خوفاً وحذراً.
وقال ابن عمر :" تلا النبي ﷺ :﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ حتَّى بلغ ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فقال :" أورعُ عن محَارمِ اللَّهِ، وأسرعُ في طاعةِ اللَّهِ " وقيل : يعاملكم معاملة المختبر، فيبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره، وبالحياة ليبين شكره.
وقيل : خلق الله الموت للبعث، والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في انتقامهِ ممن عصاه " الغَفُورُ " لمن تاب.
فصل فيمن قالوا : إن فعل الله يكون لغرض احتج القائلون بأنه تعالى يفعل الفعل لغرض بقوله :" ليَبْلُوكُمْ " قالوا : وهذه اللام للغرض كقوله تعالى ﴿إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾، والجواب : أن الفعل في نفسه ليس بالابتلاء، إلا أنه لما أشبه الابتلاء سمي به مجازاً، فكذلك هاهنا، إنه يشبه الغرض، وإن لم يكن في نفسه غرضاً فقدم حرف الغرضِ.
قوله :﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾.
يجوز أن يكون الموصول تابعاً للعزيز الغفُورِ، نعتاً، أو بياناً أو بدلاً.
٢٢٦