ويجوز أن يكون باقياً على مصدريته، ويقدر مضاف، أي : ذات رجوم.
وجمع المصدر باعتبار أنواعه، فعلى الأول يتعلق قوله :" للشَّياطينِ " بمحذوف على أنه صفة لـ " رُجُوماً ".
وعلى الثاني : لا تعلق له ؛ لأن اللام مزيدة في المفعول به، وفيه دلالة حينئذ على إعمال المصدر منوناً مجموعاً.
ويجوز أن تكون صفة له أيضاً كالأول، فيتعلق بمحذوف.
وقيل : الرجوم هنا الظنون، والشياطين : شياطين الإنس.
كما قال :[الطويل] ٤٧٩٦ -..........................
ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَديثِ المُرَجَّمِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٣٣
فيكون المعنى : جعلناها ظُنُوناً ورجوماً بالغيبِ، لشياطين الإنس، وهم الأحكاميون من المنجمين.
فصل في خلق النجوم قال قتادةُ : خلق الله النُّجوم لثلاثٍ : زينة السمَّاءِ ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يهتدي بها في البرِّ والبحرِ والأوقاتِ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به، وتعدى، وظلم.
وقال محمد بن كعب : والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم، ولكنهم يتَّخذون الكهانة، ويتَّخذون النُّجوم علةً.
فصل قال ابن الخطيب : ظاهر الآيةِ لا يدلّ على أن هذه الكواكب مركوزة في السماء الدنيا ؛ لأن السماوات إذا كانت شفافة، فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا، أو في سماوات أخرى فوقها، هي ولا بُد أن تظهر في السَّماء الدنيا، ولتلوح منها، فعلى التقدير تكون السماء الدنيا متزينة، واعلم أنَّ أصحاب الهيئةِ اتفقوا على أن هذه الكواكب مركوزة في الفلك الثامن الذي فوق كرات السياراتِ، واحتجوا أن بعض الثوابت في الفلك الثامن، فيجب أن تكون كلها هناك.
وإنما قلنا : إن بعضها في الفلك الثامن، لأن الكواكب القريبة من المنطقة تنكسف
٢٣٤
بهذه السيارات، فوجب أن تكون الثواب المنكسفة فوق السيارات الكاسفة وإنما قلنا : إن الواب لما كانت في الفلك الثَّامن وجب أن تكون كلها هناك ؛ لأنها بأسرها مترحكة حركة واحدة بطيئة في كل مائة سنة درجة واحدة، فلا بُدَّ أن تكون مركوزةً في كرة واحدة.
قال ابن الخطيب : وهذه استدلالاتٌ ضعيفة ؛ فإنه لا يلزم من كون بعض الثَّوابت فوق السيارة كون كلها هناك ؛ لأنه لا يبعد وجود كرة تحت كرة القمر، وتكون في النظر مساوية لكرة الثوابت، وتكون الكواكب المركوزة في مقارب القطبين مركوزة في هذه الكرة السفلية ؛ إذ لا يبعد وجود كرتين مختلفتين بالصغر والكبر مع كونهما مشتابهتين في الحركة، وعلى هذا التقدير لا يمتنع أن تكون المصابيح مركوزة في سماء الدنيا، فثبت بهذا ضعف مذاهب الفلاسفة.
فصل في سبب الرجوم قال ابن الخطيب : يروى أن السبب في الرجوم أن الجن كانت تسمع خبر السماء فلما بعث محمدٌ صلى الله عليه سولم حرست السماء ورجمت الشياطين، فمن جاء منهم مسترقاً للسمع رمي بشهاب، فأحرقه لئلا ينزل به إلى الأرض، فيلقيه إلى النَّاس، فيختلط على النبي أمره، ويرتاب النَّاس بخبره.
ومن النَّاس من طعن في هذا من وجوه : أحدها : أن انقضاض الكواكب مذكور في كتب قدماء الفلاسفة، قالوا : إن الأرض إذا سخنت بالشمس ارتفع منها بخار يابس إذا بلغ النَّار التي دون الفلك احترق بها، فتلك الشعلة هي الشهاب.
وثانيها : أن الجن إذا شاهدوا جماعة منهم يسترقون، فيحرقون إن امتنع أن يعودوا لذلك.
وثالثها : أن ثُخْنَ السماء مسيرة خمسمائة سنةٍ، فالجن لا يقدرون على خرقها ؛ لأنه تعالى نفى أن كون فيها فطور، وثخنها يمنعهم من السمع لأسرار الملائكة من ذلك البعد العظيم، وإذا سمعوه من ذلك البعد، فهم لا يسمعون كلام الملائكة حال كونهم في الأرض.
ورابعها : أن الملائكة إنما اطلعوا على الأحوال المستقبلة، إما لأنهم طالعوها من اللوح المحفوظ، أو لأنهم نقلوها من وحي الله إليهم، وعلى التقديرين، فلم لم يسكتوا عن ذكرها حتى لا يمكنوا الجن من معرفتها.
٢٣٥


الصفحة التالية
Icon