مضى الكلام فيه.
أي : يخافون الله ويخافون عذابه الذي هو " بالغَيْبِ " وهو عذاب يوم القيامة " ويَخْشَوْنَهُ " في دار التكليف، أي : يتقون جميع المعاصي.
قال ابن الخطيب : وفي الآية دليل على انقطاع وعيد الفساق، لأن من جاء يوم القيامة مع هذه الخشية بفسق، فله الأمران، وانقطاع الثَّواب بالعقاب باطلٌ بالإجماع، فتعين العكس.
﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ وهو الجنَّة.
قوله :﴿لَهْم مَّغْفِرَةٌ﴾ الأحسن أن يكون الخَبَرَ " لَهُمْ " و " مَغْفرةٌ " فاعل به، لأن الخبر المفرد أصل، والجار من قبيل المفردات، أو أقرب إليها.
قوله :﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ﴾.
اللفظ لفظ الأمر، والمراد به الخبر، يعني : إن أخفيتم كلامكم في أمر محمدٍ ﷺ أو جهرتم به، فإن اللَّه عليم بذات الصُّدور، يعني بما في القلوب من الخير والشر.
قال ابن عباس : نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبيَّ ﷺ فيخبره جبريل فقال بعضهم لبعض : أسِرُّوا قولكم كي لا يسمع ربُّ محمدٍ، فنزلت :﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِه﴾ يعني وأسروا قولكم في أمر محمد.
وقيل : إنه خطاب عام لجميع الخلق الأعمال، والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل وجد، فالحال واحدة في علمه تعالى بها، فاحذروا من المعاصي سرّاً كما تحترزون عنها جَهْراً، فإن ذلك لا يتفاوت بالنسبة إلى علم اللَّهِ تعالى :﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
ما فيها كما يسمى ولد المرأة جنيناً في بطنها.
قوله :﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾.
في " مَنْ خَلَقَ " وجهان : أحدهما : أنه فاعل " يَعْلَمُ " والمفعول محذوف، تقديره : ألا يعلم الخالق خلقه، وهذا هو الذي عليه جمهور الناسِ، وبه بدأ الزمخشريُّ.
والثاني : أن الفاعل مضمر يعود على الباري تعالى، و " مَنْ " مفعول به، أي : لا يعلم الله من خلقه.
قال أبو حيَّان : والظَّاهر أن " مَنْ " مفعول، والمعنى أينتفي علمه بمن خلقه، وهو الذي لطف علمه ودقّ، ثم قال : وأجاز بعض النحويين أن يكون " مَنْ " فاعلاً والمفعول محذوف، كأنه قال : ألا يعلم الخالق سرَّكُم، وجهركُم، وهو استفهام معناه الإنكار ".
٢٤٣
قال شهاب الدينِ :" وهَذَا الوجهُ الذي جعله هو الظاهر يعزيه الناس لأهل الزَّيْغ والبدع الدافعين لعموم الخلق لله تعالى، وقد أطنب مكي في ذلك، وأنكر على القائل به، ونسبه إلى ما ذكرت، فقال : وقد قال بعض أهل الزيغِ : إن " مَنْ " في موضع نصب اسم للمسرين والمجاهرين ليخرج الكلام عن عمومه، ويدفع عموم الخلق عن الله تعالى، ولو كان كما زعم لقال : ألا يعلم ما خلق ؛ لأنه إنما يقدم ذكر ما تكن الصدور فهو في موضع ما، ولو أتت " مَا " في موضع " مَنْ " لكان فيه أيضاً بيان العموم أن اللَّه خالق كل شيء من أقوال الخلق وأفعالهم أسروها، أو أظهروها خيراً كانت، أو شراً، ويقوي ذلك ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ولم يقل : عليم بالمسرين والجاهرين، ويكون " مَا " في موضع نصبٍ، وإنما تخرج الية من هذا العموم إذا جعلت " ما " في موضع نصب اسماً للأناسِ المخاطبين قبل هذه الآيةِ، وقوله :﴿بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يمنع من ذلك " انتهى.
قال شهاب الدين : ولا أدري كيف يلزم ما قاله مكي بالإعراب الذي ذكره، والمعنى الذي أبداه، وقد قال بهذا القول أعني الإعراب الثاني جماعة من المحققين، ولم يبالوا بما ذكره لعدم إفهام الآية إياه.
قال الزمخشريُّ بعد كلام ذكره : ثم أنكر أن يحيط علماً بالمضمر والمسر والمجهر " مَنْ خَلَقَ " الأشياء، وحاله أنه اللطيف الخبير المتصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن، ويجوز أن يكون " مَنْ خَلقَ " منصوباً بمعنى ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله، ثم قال : فإن قلت : قدرت في " ألاَ يَعْلَمُ " مفعولاً على معنى ألا يعلم ذلك المذكور ما أضمر في القلب، وأظهر باللسان من خلق، فهلاَّ جعلته مثل قولهم : هو يعطي ويمنع ؟ وهلا كان المعنى : ألا يكون عالمً من هو خالق ؛ لأن الخلق لا يصلحُ إلا مع العلم ؟ قلت : أبت ذلك الحال التي هي قوله :﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ لأنك لو قلت : ألا يكون عالماً من هو خالق وهو اللطيف الخبير لم يكن معنى صحيحاً ؛ لأن " ألاَ يَعْلَمُ " معتمد على الحال، والشيء لا يوقف بنفسه، فلا يقال : ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء ".
فصل في معنى الآية معنى الآية : ألا يعلم السّر من خلق السر، يقول : أنا خلقت السر في القلب، أفلا أكون عالماً بما في قلوب العباد ؟.
قال أهل المعاني : إن شئت جعلته من أسماء الخالق - عزَّ وجلَّ - يوكون
٢٤٤


الصفحة التالية
Icon