السلام - أن تدعو أحداً ؟ فقال : لا فقال : والله لئن بقيت إلى دعوتك لأنصرنك نصراً عزيزاً، ثم مات قبل دعاء الرسول ﷺ ووقعت تلك الواقعة في ألسنة كفار قريشن فقالوا : إنه مجنون، فأقسم الله تعالى على أنه ليس بمجنون، وهو خمس آياتٍ من أول هذه السورة، قال ابن بعاس : أول ما نزل قوله تعالى :﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ [الأعلى : ١]، وهذه الآية هي الثانية، نقله ابن الخطيب.
وذكر القرطبيُّ : أن المشركين كانوا يقولون للنبي ﷺ : مجنون به شيطان وهو قوله ﴿ يا أيها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر : ٦] فأنزل الله تعالى رداً عليهم وتكذيباً لقولهم ﴿فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ﴾ [الطور : ٢٩] أي : برحمة ربك، والنعمة هاهنا الرحمة.
وقال عطاء وابن عباس : يريد بنعمة ربِّك عليك بالإيمان والنبوة.
قال القرطبي :" ويحتمل أن النعمة - هاهنا - قسم، تقديره : ما أنت، ونعمة ربك بمجنون لأن الواو والباء من حروف القسم " وقد تقدم فصل قال ابن الخطيب : اعلم أنه تعالى وصفه - هاهنا - بصفات ثلاث : الأولى : نفي الجنون عنه ثم قرن بهذه الدعوى ما يكون كالدلالة القاطعة على صحتها، لأن قوله :﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ يدل على أن نعم الله ظاهره في حقه من الفصاحة التامة، والعقل الكامل، والسيرة المرضية، والبراء من كل عيب، والاتصاف بكل مكرمة، وإذا كانت هذه النعم ظاهرة محسوسة ووجودها ينافي حصول الجنون، فالله تعالى نبه على أن هذه الحقيقة جارية مجرى الدلالة اليقينية على كذبهم في قولهم : إنه مجنُون ".
الصفة الثانية : قوله :﴿وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي : ثواباً على ما تحملت غير منقوص ولا مقطوع منه، يقال : منَّ الشيء إذا ضعف، ويقال : مننت الحبل إذا قطعته، وحبل منين إذا كان غير متين.
قال لبيدٌ :[الكامل] ٤٨٠٩ -......................
غُبْسٌ كَواسِبُ مَا يثمَنُّ طَعَامُهَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٦١
٢٦٨
أي : لا يقطع، يصف كلاباً ضارية، ونظيره قوله تعالى :﴿غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود : ١٠٨]، وقال مجاهد ومقاتل والكلبي :" غَيْرَ مَمْنُونٍ " أي : غير محسوب عليك، قالت المعتزلة : لأنك تستوجبه على [عملك]، وجوابهم : إن حملهم على هذا يقتضي التكرار، لأن قوله " أجراً " يفيده، وقال الحسنُ : غير مكدر بالمن.
وقال الضحاك : أجراً بغير عمل، واختلفوا في هذا الأجرِ على أي شيء حصل ؟ فقيل : معناه إن لك على احتمال هذا الطعن، والقول القبيح أجراً عظيماً دائماً.
وقيل : إن لك في إظهار النبوةِ، والمعجزات في دعاء الخلق إلى الله تعالى وفي بيان الشرع لهم هذا الأجر الخالص الدائم فلا يمنعك نسبتهم إياك إلى الجنون عن الاشتغال بهذا المهم العظيم فإن لك بسببه المنزلةَ العالية.
الصفة الثالثة : قوله :﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
قال ابن عباس ومجاهدٌ :" على خُلقٍ " على دين عظيمٍ من الأديان، ليس دين أحب إلى الله، ولا أرضى عنده منه.
وروى مسلم عن عائشة : أن خلقه كان القرآن.
وقال علي - رضي الله عنه - : هو أدب القرآن.
وقيل : رفقه بأمته، وإكرامه إياهم.
وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر اللَّهِ، وينتهي عنه مما نهى الله عنه.
وقيل : إنَّك على طبع كريم.
وقال الماوردي : حقِيقَةُ الخُلقِ في اللُّغةِ ما يأخذُ بِهِ الإنسانُ في نفْسِهِ من الأدبِ
٢٦٩


الصفحة التالية
Icon