وألْفَى قوْلهَا كذِباً ومَيْنَا
قال أبو عبيدة والقتيبي :" عَلى حَرْدٍ " على منع من حاردت الناقة حراداً، أي : قل لبنها.
والحرود من النوق القليلة الدر، وحاردت السَّنةُ : قل مطرها، وخيرها.
ويقال : حرد - بالكسر - يحرد حرداً، وقد تفتح فيقال : حَرَدَ فهو حردان وحارد، وليوث حوارد.
وقيل : الحرد، والحرود : الانفراد، يقال : حَرَدَ - بالفتح - يَحْرُدُ - بالضم - حروداً وحرداً، أي : انعزل.
ومنه كوكب حارد، أي : منفرد.
قال الأصمعي : هي لغة هذيل.
وقال القرطبيُّ : يقال : حرد يحرد حروداً، أي : تنحى عن قومه، ولم يخالطهم.
وقال أبو زيدٍ : رجل حريد من حرداء، وقد حَرَدَ يَحْرِدُ حُرُوداً إذا ترك قومه، وتحول عنهم.
قال الأصمعي : رجل حريد، أي : فريد وحيد، قال : والمنفرد والمنحرد في لغة هذيل وأنشد لأبي ذؤيب :[البسيط] ٤٨٢٨ -...........................
كأنَّهُ كَوكَبٌ في الجَوِّ مُنْحِرِدُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٨٥
٢٩٠
ورواه أبو عمرو : بالجيم، قال : وهو سهيل.
وقيل : الحردُ القصد، يقال : حَرَد يحْرِدُ - بالكسر - حرداً، قصداً، تقول : حردت حردك، أي : قصدت قصدك ؛ قال الراجز :[الرجز] ٤٨٢٩ - أقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّه
يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ
وقال قتادة ومجاهدٌ :" عَلى حَرْدٍ "، أي : على جد وجهد.
وقال القرطبيُّ ومجاهد وعكرمة : أي : على أمر مجتمع قد أسموه بينهم.
قال البغويُّ :" وهذا معنى القصدِ ".
وقال الحسنُ : على حاجةٍ وفاقةٍ.
؟ وقيل : الحرد اسم جنتهم بعينها، قاله السديُّ.
وقال الأزهريُّ : حرد اسم قريتهم.
وفيهما بعد.
و " قَادِريْنَ " إما من القدرة وهو الظاهرُ، وإما من التقدير، وهو التضييق، أي : مضيقين على المساكين.
وقرأ العامة : بالإسكان.
وقرأ أبو العالية وابن السميفع : بالفتح، وهما لغتان.

فصل في تفسير " قادرين " قال الفرَّاء : ومعنى " قادرين " قد قدروا أمرم، وبنوا عليه.


وقال قتادة : قادرين على جنتهم عند أنفسهم.
وقال الشعبيُّ : قادرين على المساكين.
وقيل : معناه من الوجود، أي : منعوا وهم واجدون.
ومعنى الآيةِ : وغدوا، وكانوا عند أنفسهم، وفي ظنهم أنهم قادرون على منع المساكينَ.
قوله ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾.
يعني الجنة محترقة، لا شيء فيها قد صارت كالليل الأسود ينظرون إليها كالرماد أنكروها، وشكوا فيها، وقال بعضهم لبعض :" إنَّا لضالُّونَ " أي :
٢٩١
ضللنا الطريق إلى جنتنا، ثم لما تأملوا وعرفوا أنها هي، قالوا :﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ حرمنا خيرها بشؤم عزمنا على البخل ومنعنا الفقراء، قاله قتادة.
وقيل :" إنَّا لضالُّون " عن الصَّواب في غدونا على نية منع المساكين، فلذلك عوقبنا ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أي : حرمنا جنتنا بما صنعنا.
روى ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ :" إيَّاكم والمَعاصِي إنَّ العَبْدَ ليذْنبُ الذَّنْبَ فيُحرَمُ بِهِ رِزْقاً كان هُيِّىء له " ثم تلا :﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ الآيتين.
قوله :﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾، عين أعدلهم، وأفضلهم وأعقلهم ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ : لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾ أي : هلا تستثنون، وكان استثناؤهم تسبيحاً.
قاله مجاهدٌ وغيره، وهذا يدل على أن هذا الأوسط كان يأمرهم بالاستثناء، فلم يطيعوه.
قال أبو صالحٍ : كان استثناؤهم سبحان الله، فقال لهم :﴿هَلاَّ تسبِّحُونَ اللَّهَ﴾، أي تقولون : سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم.
وقال النحاس : أصل التسبيحِ التنزيه لله - عز وجل -، فجعل مجاهد التسبيح في موضع إن شاء اللَّهُ ؛ لأن المعنى تنزيه الله أن يكون شيء إلا بمشيئته.
وقال ابن الخطيب : التسبيحُ عبارة عن تنزيهه عن كل سوء فلو دخل شيء في الوجود على خلاف إرادة الله تعالى، لوجب عود النقص إلى قدرة الله تعالى، فقولك :" إن شاء الله " مزيل هذا النقص، فكان ذلك تسبيحاً.
وقيل : المعنى : هلاَّ تَسْتغفرونهُ من فِعْلكُم، وتتوبون إليه من خبث نيتكم.
قيل : إنَّ القوم لمَّا عزموا على منع الزكاةِ واغتروا بالمال والقوة، قال لهم أوسطهم : توبوا عن هذه المعصية قبل نزول العذابِ، فلما رأوا العذاب ذكرهم أوسطهم كلامهُ الأول، وقال :﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾ فحينئذ اشتغلوا بالتوبة وقالوا :﴿ِسُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ قال ابن عباس في قولهم سبحان ربنا أي نستغفر ربنا من ذنوبنا لأنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا المساكين.
وقال الحسنُ : هذا التسبيحُ هُو الصَّلاةُ كأنهم كانوا يتكاسلون في الصلاة، وإلا لكانت ناهية لهم [عن الفحشاء والمنكر، ولكانت داعية لهم] إلى أن يواظبوا على ذكر الله، وعلى قول إن شاء الله.
قوله ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ﴾.
أي : يلوم بعضهم بعضاً، يقول هذا لهذا : أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول ذلك لهذا : أنت خوفتنا بالفقر، ويقول الثلاث لغيره : أنت
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon