قوله :﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى ﴾ أي : في تلك الليالي والأيَّام " صرعى " جمع صريع، وهي حال نحو :" قتيل وقتلى، وجريح وجرحى ".
والضمير في " فيها " للأيام والليالي كما تقدم، أو للبيوت أو للريح، والأول أظهرُ تقَّربهِ ؛ ولأنه مذكور.
قوله :﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ﴾.
أي : أصول نخلٍ، و " كأنهم أعجازُ " حال من القوم، أو مستأنفة.
وقرأ أبو نهيك :" أعْجُز " على وزن " أفْعُل " نحو :" ضبْع وأضْبُع ".
وقرىء :" نخيل " حكاه الأخفشُ.
وقد تقدَّم أن اسم الجنس يذكَّر ويؤنَّثُ، واختير هنا تأنيثُه للفواصلِ، كما اختير تذكيره لها في سورة " القمر ".
وقال أبو الطُّفيل : أصول نخل خاوية، أي : بالية.
وقيل : خاليةُ الأجوافِ لا شيء فيها.
قال القرطبيُّ : وقد قال تعالى في سورة " القمر " :﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ [القمر : ٢٠] فيحتمل أنَّهم شُبِّهُوا بالنخل التي صُرعت من أصلها وهو أخبار عن عظم أجسامهم، ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع، أي : أنَّ الريح قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل خاوية، أي : أن الرِّيح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخل الخاوية الجوف.
٣١٨
وقال ابن شجرة : كانت الريحُ تدخل في أفواههم فتخرجُ ما في أجوافهم من الحشوِ من أدبارهم، فصاروا كالنخل الخاوية.
وقال يحيى بن سلام : إنما قال : الخاوية، لأن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية.
قوله :﴿فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾.
أدغم اللام في التاء أبو عمرو وحده، وتقدم في " الملك ".
و " مِنْ بَاقِيَة " مفعوله، و " مِنْ " مزيدة، وإلهاء في " بَاقِية " قيل : للمبالغة، فيكون المراد بـ " الباقية " : البقاءُ، كـ " الطاغية " بمعنى الطُّغيان، أي : من باقٍ.
والأحسنُ أن يكون صفةً لفرقةٍ، أو طائفةٍ، أو نفس، أو بقية ونحو ذلك.
وقيل : فاعلة بمعنى المصدر كـ " العافية " و " العاقبة ".
قال المفسرون : والمعنى هل ترى لهم أحداً باقياً.
قال ابن جريج : كانوا سبعَ ليالٍ وثمانية أيَّام أحياء في عذابِ الله من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامنِ ماتوا فاحتملتهم الريحُ، فألقتهم في البحر، فذلك قوله :﴿فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾ وقوله :﴿فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف : ٢٥].
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣١٢
قوله :﴿وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ﴾.
قرأ أبو عمرو والكسائيُّ : بكسر القاف، وفتح الباء، أي : ومن هو في جهته، ويؤيده قراءةُ أبي موسى :" ومن تلقاه ".
٣١٩
وقرأ أبيٌّ وعبد الله :" ومنْ مَعَه ".
والباقون : بالفتحِ والسكونِ على أنه ظرف، أي : ومن تقدمه.
والقراءة الأولى أختارها أبو عبيدة، وأبو حاتم اعتباراً بقراءة أبيّ، وعبد الله.
قوله :﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ﴾.
" المؤتفكات " : أهل قرى لوط.
وقراءة العامة : بالألف.
وقرأ الحسن والجحدريُّ :" والمُؤتَفكةُ " على التوحيد.
قال قتادةُ : إنما سُمِّيتْ قرى لوط " مُؤتفِكَات " لأنَّها ائتفكت بهم، أي : انقلبت.
وذكر الطبري عن محمد بن كعب القرظيِّ قال : خمس قريات :" صبعة، وصعرة وعمرة، ودوما، وسدوم "، وهي القرية العظمى.
وقوله :" بالخاطئة ".
إما أن تكون صفة، أي : بالفعلة، أو الفعلات الخاطئة، وهي المعصية والكفر.
وقال مجاهد : بالخطايا كانوا يفعلونها.
وقال الجرجاني : بالخطأ العظيمِ، فيكون مصدراً كـ " العاقبة " و " الكاذبة ".
قوله :﴿فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ﴾ إن عاد الضمير إلى فرعون، ومن قبله، فرسول ربِّهم موسى - عليه الصلاة والسلام -.
وإن كان عائداً إلى أهلِ المؤتفكاتِ، فرسولُ ربِّهم لوط عليه الصلاة والسلام.
قال الواحديُّ : والوجه أن يقال : المراد بالرسول كلاهما للخبر عن الأمتين بعد ذكرهما بقوله :" فَعَصَوْا " فيكون كقوله :﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء : ١٦] قال القرطبي : وقيل :" رسول " بمعنى رسالة وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، كقوله :[الطويل] ٤٨٤٣ - لَقَدْ كَذَبَ الواشُونَ ما بُحْتُ عِندهُمْ
بِسِرِّ ولا أرْسلتُهُمْ بِرسُولِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣١٩
قوله :﴿فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾، أي : عالية زائدة على الأخذات، وعلى عذاب الأمم،
٣٢٠