فالجوابُ من وجهين : الأول : أنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء، ثم يموتون.
والثاني : المراد الذين استثناهم في قوله :﴿إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ [الزمر : ٦٨][النمل : ٨٧].
فإن قيل : إنَّ الناس إذا رأوا جهنَّم هالتهم، فندُّوا كما تندُّ الإبلُ، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلاَّ رأوا ملائكة، فيرجعون من حيثُ جاءوا.
وقيل :﴿عَلَى أَرْجَآئِهَآ﴾ ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النَّارِ من السَّوق إليها، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة، وهذا كلُّه راجعٌ إلى قول ابن جبير، ويدلُّ عليه قوله تعالى :﴿وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً﴾ [الفرقان : ٢٥].
قوله :﴿عَلَى أَرْجَآئِهَآ﴾، خبر المبتدأ، والضمير للسماء، وقيل : للأرضِ، على ما تقدم.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما الفرق بين قوله :" والمَلَكُ " وبين أن يقال :" والمَلائِكَةُ " ؟ قلت : الملكُ أعمُّ من الملائكةِ، ألا ترى إلى قولك :" ما من ملك إلاَّ وهو ساجدٌ " أعم من قولك :" ما مِنْ ملائكةٍ " انتهى.
قال أبو حيَّان : ولا يظهر أنَّ الملك أعمُّ من الملائكةِ، لأن المفرد المحلَّى بالألف واللام، قُصاراه أن يكون مراداً به الجمع المحلَّى، ولذلك صح الاستثناءُ منه، فقصاراه أن يكون كالجمع المُحَلَّى بهما، وأما دعواه أنه أعم منه، بقوله :" ألا ترى " إلى آخره، فليس دليلاً على دعواه ؛ لأن " مِنْ ملكٍ " نكرةٌ مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها " مِن " المخلصة للاستغراق، فشملت كل ملكٍ فاندرج تحتها الجمعُ لوجود الفرد فيه، فانتفى كل فردٍ فرد، بخلاف " مِنْ ملائِكِةِ "، فإن " مِنْ " دخلت على جمع منكَّر، فعمّ في كل جمع جمع من المَلائكةِ، ولا يلزم من ذلك انتفاء كلِّ فردٍ فردٍ من الملائكة، لو قلت :" ما في الدار من رجال " جاز أن يكون فيها واحدٌ، لأن النفي إنما انسحب على جمع، ولا يلزم من النتفاء الجمع أن ينتفي المفردُ، والملك في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه " مِنْ " وإنَّما جِيءَ به مفرداً ؛ لأنه أخفُّ، ولأن قوله :﴿عَلَى أَرْجَآئِهَآ﴾ يدلُّ على الجمع ؛ لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون " على أرجائِهَا " في وقتٍ واحدٍ بل أوقات، والمراد - والله أعلم - أن الملائكة على أرجائها إلاَّ أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات.
وقال شهاب الدين : إنَّ الزمخشريَّ منزعهُ في هذا ما تقدم عنه في أواخر سورة
٣٢٧
" البقرة " عند قوله :﴿وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة : ٢٨٥] فليرجع ثمَّة.
وأما قول أبي حيان :" ما مِنْ رجالٍ " أن النفي منسحبٌ على رُتَب الجمع، ففيه خلاف، والتحقيق ما ذكره.
قوله :﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾.
الضمير في " فَوقَهُمْ " يجوز أن يعود على " الملائكة " بمعنى كما تقدم، وأن يعود على الحاملين الثمانية.
وقيل : إنَّ حملة العرشِ فوقَ الملائكةِ الذين في السماء على أرجائها.
وقيل : يعود على جميع العالم، أي : أن الملائكة تحمل عرش الله فوق العالم كلِّه.
فصل في هؤلاء الثمانية قال ابن عباس : ثمانية صنوفٍ من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله.
وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاكٍ.
وعن الحسن : الله أعلمُ كم هم ثمانية، أم ثمانية آلاف، أو ثمانية صفوف.
" وعن النبي ﷺ :" أَنَّ حَمَلةَ العَرْشِ اليَوْم أوعالٍ، فإذَا كان يومُ القيامةِ أيدهُم اللَّهُ بأربَعة آخرين، فكانُوا ثَمانيَةً " خرَّجَهُ الماورديُّ مرفوعاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه العباسُ بنُ عبد المطّلب عن النبيِّ ﷺ قال :" هُمْ ثَمانِيَةُ أملاكٍ على صورةِ الأوعالِ، لكلِّ ملكٍ منهُم أربعةُ أوجهٍ : وجهُ رجُلٍ، ووجهُ أسدٍ، ووجهُ ثورٍ، ووجهُ نسْرٍ، وكلُّ وجهٍ مِنْهَا يسألُ اللَّهَ الرِّزقَ لذلك الجِنْسِ " فإن قيل : إذا لم يكنْ فيهم صورةُ وعلٍ، فكيف سُمُّوا أوعالاً ؟.
فالجواب : أنَّ وجْهَ الثَّور إذا كانت له قرون الوعْلِ أشبه الوعْلَ.
وفي الخبرِ :" أنَّ فَوْقَ السَّماءِ السَّابعةِ ثمانيةَ أوْعالٍ بينَ أظلافهِنَّ ورُكبهنَّ مثلُ ما بَيْنَ
٣٢٨