قوله :﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾، كقوله :﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾ [الحاقة : ٢٤] في إمار القولِ، يقال ذلك لخزنةِ جهنَّم، والغلُّ : جمعُ اليدين إلى العُنُق، أي : شدوه بالأغلالِ.
﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾، أي : اجعلوه يصلى الجحيمَ، وهي النارُ العظمى ؛ لأنه كان يتعاظمُ في الدنيا.
وتقديمُ المفعول يفيد الاختصاص عند بعضهم.
ولذلك قال الزمخشريُّ :" ثُمَّ لا تصلوه إلا الجَحيم " قال أبو حيان :" وليس ما قاله مذهباً لسيبويه ولا لحُذاقِ النُّحاةِ "، وقد تقدمت هذه المسألةُ متقنة، وأنَّ كلام النحاة لا يأبى ما قاله.
قوله :﴿ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً﴾، في محل جر صفة لـ " سِلْسِلَة " و " في سِلْسِلة " متعلق بـ " اسْلُكُوه "، و " الفاء " لا تمنع من ذلك.
و " الذِّراع " مؤنث، ولذلك يجمع على " أفْعُل " وسقطت " التاء " من عدده.
قال الشاعر :[الرجز] ٤٨٥١ - أرْمِي عَليْهَا وهْيَ فَرْعٌ أجْمَعُ
وهْيَ ثَلاثُ أذْرُعٍ وإصْبَعُ
وذكر السبعين دون غيرها من العدد، قيل : المرادُ به التكثير، كقوله :﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة : ١٠] وقيل : المراد حقيقة العدد.
٣٣٦
قال ابن عباسٍ : سبعون ذراعاً بذراع الملكِ.
وقال نوف البكالي : سبعون ذراعاً، كل ذراع سبعون باعاً، كل باع كما بينك وبين " مكّة " وكان في رحبة " الكوفة ".
وقال الحسنُ : الله أعلم أي ذراعٍ.
وزعم بعضهم أنَّ في قوله :" فِي سِلْسلَةٍ " " فاسْلُكوهُ " قلباً، قال : لأنه نُقِلَ في التفسير أنَّ السلسلة تدخل من فيه، وتخرج من دبره، فهي المسلوكُ فيه لا هو المسلوك عليه، حتى تحيط به من جميع جهاته، فهو المسلوكُ فيها لإحاطتها به.
وقال الزمخشريُّ : والمعنى في تقديم السِّلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التًّصلية، أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسة، وثم للدلالة على التفاوتِ لما بين الغلِّ والتصليةِ بالجحيم وما بينها، وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة.
وناعه أبو حيان في إفادة تقديم الاختصاص كعادته، وجوابه ما تقدم.
ونازعه أيضاً في أن " ثُمَّ " للدلالةِ على تراخي الرُّتْبةِ.
وقال مكيٌّ : التراخي الزماني بأن يُصلى بد أن يسلك، ويسلك بعد أن يُؤخذ ويغلبى بمهله بين هذه الأشياء.
انتهى.
وفيه نظرٌ من حيثُ إن التوعد بتوالي العذاب آكد، وأقطع من التوعد بتغريقه.
قوله :﴿إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾.
" الحضُّ " : الحثُّ على الفعل والحرص على وقوعه، ومنه حروف التحضيض المبوب لها في النحو ؛ لأنَّه يطلب بها وقوع الفعل وإيجاده، فبيَّن تعالى أنه عذِّب على تركِ الإطعامِ، وعلى الأمر بالبخلِ كما عذِّب بسبب الكُفْرِ.
قال ابن الخطيب : وفي الآية دليلُ على أنَّ الكُفَّار مخاطبون بالفروع.
كان أبو الدرداء يحض امرأته على الإطعام ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع نصفها الثاني بالإطعام.
وقيل : المراد قول الكفار :﴿أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ [يس : ٤٧].
٣٣٧


الصفحة التالية
Icon