وقرأ أبيُّ بن كعب وعبد الله :" سَال سَالٍ " مثل " مَال ".
وتخريجها : أن الأصل :" سائل " فحذفت عينُ الكلمة، وهي الهمزة، واللام محل الإعراب، وهذا كما قيل : هذا شاكٍ في شائك السِّلاح، وقد تقدم الكلام على مادة السؤال أول سور " البقرة " فليلتفت إليه.
و " الباء " تتعلق بـ " سال " من السيلان تعلقها بـ " سأل " لِمَا يزيد.
وجعل بعضهم الباءَ متعلقة بمصدر دلَّ عليه فعل السؤالِ، كأنه قيل : ما سؤالهم ؟.
فقيل : سؤالهم بعذاب، كذا حكاه أبو حيَّان عن ابن الخطيب.
ولم يعترضه، وهذا عجيب، فإنَّ قوله أولاً : إنه متعلق بمصدر دل عليه فعل السؤال.
٣٤٩
ينافي تقديره بقوله :" سؤالهم بعذاب " ؛ لأن الباء في هذا التركيب المقدَّر تتعلق بمحذوف ؛ لأنها خبر المبتدأ بالسؤال.
وقال الزمخشريُّ :" وعن قتادة سأل سائل عن عذاب الله بمن ينزل وعلى من يقع فنزلت، و " سأل " على هذا الوجه مضمن معنى عني واهتم، كأنه قيل : اهتم مهتم بعذاب واقعٍ ".
فصل في تفسير السؤال قال القرطبيُّ : الباء يجوز أن تكون بمعنى " عن " والسؤالُ بمعنى الدعاء، أي دعا داع بالعذاب، عنه ابن عباس وغيره، يقال : دعا على فلان بالويلِ ودعا عليه بالعذاب.
ويقال : دعوتُ زيداً، أي التمستُ إحضاره، والمعنى التمس ملتمسٌ عذاباً للكافرين، وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامةِ، وعلى هذا فالباءُ زائدةٌ كقوله تعالى :﴿تَنبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون : ٢٠]، وقوله تعالى :﴿وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم : ٢٣]، فهي تأكيد، أي : سأل سائل عذاباً واقعاً.
" لِلكَافِرينَ " أي : على الكافرين.
قيل : هو النضر بن الحارث حيثُ قال :﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال : ٣٢]، فنزل سؤاله، وقتل يوم " بدر " صبراً هو وعقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبراً غيرهما، قاله ابن عباس ومجاهد.
وقيل : إنَّ السائل هنا هو الحارثُ بن النعمان الفهري، وذلك أنه لما بلغه قول النبي ﷺ في علي رضي الله عنه :" مَنْ كُنتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ " ركب ناقته فجاء حتى أناخ رسول الله، فقبلناه منك، وأن نصلي خمساً، ونزكي أموالنا، فقبلناه منك، وأن تصوم شهر رمضان في كل عام، فقبلناه منك، وأن نحج، فقبلناه منك، ثُمَّ لم ترض بهذا، حتى فضَّلت ابن عمك علينا، أفهذا شيءٌ منك أم من الله ؟.
فقال النبي ﷺ :" واللَّهِ الَّذي لا إِلهَ إلاَّ هُوَ، ما هُوَ إلاَّ مِنَ اللَّه " فولى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقّاً، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فوالله ما وصل إلى ناقته، حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه، فخرج من دبره فقتلهِ "، فنزلت ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾.
٣٥٠
وقال الربيع : السائل هنا أبو جهلٍ وهو القائل ذلك.
وقيل : إنه قول جماعة من كفار قريش، وقيل : هو نوح - عليه الصلاة والسلام - سأل العذاب على الكافرين.
وقيل : هو رسول الله ﷺ دعا عليهم بالعقاب، وطلب أن يوقعه بالكفار، وهو واقع بهم لا محالة، وامتد الكلام إلى قوله تعالى ﴿فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً﴾ [المعارج : ٥]، أي : لا تستعجل فإنه قريب، وهذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره الله بالصبر الجميل.
وقال قتادة : الباءُ بمعنى " عَنْ "، فكأن سائلاً سأل عن العذاب بمن وقع، أو متى يقع، قال الله تعالى :﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾، أي : فاسأل عنه، وقال علقمةُ :[الطويل] ٤٨٥٨ - فإن تَسْألُونِي بالنِّسَاءِ...
..........................
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٤٨
أي : عن النِّساء، فالمعنى : سلوني بمن وقع العذاب، ولمن يكون، فقال الله تعالى :﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾ وقال أبو عليّ وغيره : وإذا كان من السؤال، فأصله أن يتعدَّى إلى مفعلوين، ويجوز الاقتصار على أحدهما وإذا اقتصر على أحدهما، جاز أن يتعدى إليه بحرف الجر، فيكون التقدير : سأل سائل النبي ﷺ أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب.
قوله :﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾.
فيه أوجه : أحدها : أن يتعلق بـ " سأل " مضمناً معنى " دعا " كما تقدم، أي : دعا لهم بعذاب واقع.
الثاني : أن يتعلق بـ " واقع " واللام للعلة، أي نازل لأجلهم.
الثالث : أن يتعلق بمحذوف، صفة ثانية لـ " عذاب " أي كائن للكافرين.
الرابع : أن يكون جواباً للسائل، فيكون خبر مبتدأ مضمر، أي : هو للكافرين.
ويؤيده قراؤة أبيّ :" على الكافرين "، وعلى هذا فهي متعلقة بـ " واقع " لا على الوجه الذي تقدم قبله.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : بِمَ يتصل قوله :" للكافرين " ؟.
قلت : هو على القول الأول متصل بـ " عذاب " صفة له أي بعذاب واقع كائن.
٣٥١