يعني : إيَّاك وذا النُّصُبِ.
الثاني : إنَّه جمعُ " نِصَاب " كـ " كُتُب " و " كِتَاب ".
الثالثك أنَّه جمع " نَصْب " نحو :" رَهْن ورُهُن، وسَقْف وسُقُف " وهذا قول أبي الحسن.
وجمع الجمع : أنصاب.
وقال النحاسُ : وقيل : نُصُبٌ ونَصْبٌ ونَصْبٌ، بمعنى واحد، كما قيل : عُمْر وعُمُر وأسُد وأسْد جمع أسَد.
وأما الثالثة : ففعلٌ بمعنى مفعول، أي : منصوب كالقَبضِ والنَّقصِ.
والرابعة : تخفيفٌ من الثانية، والنصب أيضاً : الشر والبلاء، ومنه قوله تعالى :﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص : ٤١].
٣٧٧
فصل في معنى قوله : نصب قال ابن عباس :" إلى نصب "، أي إلى غاية، وهي التي ينتهي إليها بصرُك.
وقال الكلبيُّ : هو شيءٌ منصوب علمٌ أو رايةٌ.
وقال الحسنُ : كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمسُ إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوي أوَّلهم على آخرهم.
و " يُوفضُونَ " : يُسْرعُونَ.
وقيل : يستبقون.
وقيل : يسعون.
وقيل : ينطلقون، وهي متقاربة، والإيفاض : الإسراع ؛ قال الشاعر :[المتقارب] ٤٨٧٥ - فَوَارسُ ذبْيانَ تَحْتَ الحَدِيـ
ـدِ كالجِنِّ يُوفِضْنَ منْ عَبْقَرِ
وعبقر : موضع تزعم العرب أنه من أرض الجنِّ ؛ قال لبيد :[الطويل] ٤٨٧٦ -..................
كُهُولٌ وشُبَّانٌ كجِنَّةِ عَبقَرِ
وقال الآخر :[الرجز]
٤٨٧٧ - لأنْعَتَنْ نَعَامَةً مِيفَاضَا
وقال الليثُ : وفضَتِ الإبل تَفضِي وفُضاً، وأوفضها صاحبُها، فالإيفاض متعد، والذي في الآية لازم يقال : وفض وأوفض، واستوفض بمعنى : أسْرَع.
قوله :﴿خَاشِعَةً﴾.
حال إما من فاعل " يُوفِضُونَ " وهو أقرب، أو من فاعل " يَخرُجونَ " وفيه بعدٌ منه، وفيه تعدد الحال لذي حالٍ واحدةٍ، وفيه الخلافُ المشهورُ.
و " أبْصارُهُمْ " فاعل، والمعنى : ذليلةٌ خاضعةٌ لا يعرفونها لما يتوقعونه من عذاب الله.
قوله :﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾، قرأ العامةُ، بتنوين " ذلَّة "، والابتداء بـ " ذلِكَ اليَوْمَ "، وخبره " الَّذي كَانُوا ".
٣٧٨
وقرأ يعقوب والتمَّارُ : بإضافةِ " ذلَّة " إلى " ذلك " وجر " اليَوْم " ؛ لأنه صفةٌ، و " الَّذِي " نعتٌ لليومِ.
و " تَرهَقُهمْ " يجوز أن يكون استئنافاً وأن يكون حالاً من فاعل " يُوفضُونَ " أو " يَخرُجُونَ "، ولم يذكر مكي غيره.
ومعنى :" ترهَقهُمْ "، أي : يغشاهم الهوانُ والذلة.
قال قتادة : هو سوادُ الوُجوهِ.
والرَّهقُ : الغشيان : ومنه غلام مراهق إذا غشي الاحتلام، يقال : رهقه - بالكسر - يرهقه رهقاً، أي : غشيه.
ومنه قوله تعالى :﴿وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ﴾ [يونس : ٢٦].
﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾، أي : يوعدونه في الدنيا أنَّ لهم فيه العذاب، وأخرج الخبر بلفظ الماضي ؛ لأن ما وعد الله به، فهو حقٌّ كائنٌ لا محالةَ.
روى الثَّعلبيُّ عن أبيِّ بن كعبٍ قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورَةَ سأل سَائلٍ، أعْطاهُ اللَّهُ ثَوابَ الَّذينَ لأمَانَاتِهِمْ وعهْدِهِمْ راعثونَ، والَّذينَ هُمْ على صَلأتِهِمْ يُحَافِظُونَ ".
٣٧٩
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٧٥