قال شهاب الدين : قوله أدغموا الثاني في الأول، هذا لا يجوز ؛ إذا القاعد المستقرة في المتقاربين قلب الأول لا الثاني، ولا يجوز العكسُ إلا شذوذاً أو لضرورة صناعية، أما الشذوذ فكقوله :﴿واذَّكَرَ﴾ [يوسف : ٤٥] بالذال المعجمة، و ﴿فهل من مُذَّكر﴾ [القمر : ١٥] بالذال المعجمة أيضاً وأما الضورة الصناعية فنحو : امدح هذا، لا تقلب الهاء حاء، لئلا يدغم الأقوى في الأضعف وهذا يعرفه من عانى التصريف، والديار : نازل الدار، يقال : ما بالدار ديار، وقيل : الديار صاحب الدار.
وقال البغويُّ :" الدَّيارُ يعني أحداً يدور في الأرض، فيذهب ويجيء " فعَّال " من الدوران ".

فصل في دعاء نوح على قومه لما أيس نوح - عليه الصلاة والسلام - من أتباعهم إياه دعا عليهم.


قالت قتادة : دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود : ٣٦]، فأجاب الله دعوته وأغرق أمته، وهذا كقول النبي ﷺ :" اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكتابِ هَازِم الأحزابِ، اهْزمهُم وزلْزلهُمْ " وقيل : سبب دعائه أنَّ رجلاً من قومه حمل ولداً صغيراً على كتفهِ فمرَّ بنوحٍ، فقال : احذر هذا فإنه يضلك، فقال : يا أبتِ، أنزلني فأنزل فرماه فشَجَّه، فحينئذ غضب ودعا عليهم.
وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد : إنَّما قال هذا، حين أخرج اللَّهُ كلَّ مؤمنٍ من أصلابهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام أمهاتهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة، وقيل : بسبعين سنة، فأخبر اللَّهُ نوحاً أنهم لا يؤمنون، ولا يلدون مؤمناً كما قال تعالى :﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود : ٣٦]، فحنيئذ دعا عليهم نوحٌ، فأجاب اللَّهُ دعاءَ فأهلكهم كلَّهم، ولم يكن فيهم صبي وقت العذابِ، لأن الله تعالى قال :﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ﴾ [الفرقان : ٣٧].
ولم يوجد التكذيب من الأطفال.
فصل في بيان أنه لا يدعى على كافر معين قال ابن العربي : دعا نوح على الكافرين أجمعين ودعا النبي ﷺ على من تحزب على المؤمنين وألّبَ عليهم، وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكافرين في الجملة فأمَّا
٤٠١
كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه ؛ لأن مآله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة وإنما خص النبي ﷺ بالدعاء على عُتبةَ وشَيبَةَ وأصحابه لعلمه بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم.
والله أعلم.
قوله :﴿رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾.
العامة : على فتح الدال على أنه تثنية والد ؛ يريد : أبويه.
واسم أبيه : لملك بن متوشلخ، واسمه أمه : شمخى بنت أنوش، وكانا مؤمنين.
وحكى الماورديُّ : اسم أمه : منجل.
وقرأ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - ويحيى بن يعمر والنخعيُّ : ولولدي، تثنية ولد يعني : ابنيه ساماً وحاماً.
وقرأ ابن جبير والجحدري :" ولولدِي " - بكسر الدال - يعني أباه.
فيجوز أن يكون أراد أبه الأقرب الذي ولده، وخصَّه بالذَّكر لأنه أشرف من الأم، وأن يريد جميع من ولده من لدن آدم إلى زمن من ولده.
قال الكلبيُّ : كان بينه وبين آدم عشرة آباء كلهم مؤمن.
وذكر القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لم يكفر لنوح والد فيما بينه وبين آدم عليه الصلاة والسلام.
قوله ﴿وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنه : أي : مسجدي ومصلاي، " مُؤمِناً "، أي : مُصدِّقاً بالله، فـ " مُؤمِناً " حال، وكان إنما يدخل بيوت الأنبياء من آمن بهم، فجعل المسجد سبباً للدعاء بالمغفرة.
وقيل : المراد بقوله " بيتي "، أي : سفينتي.
وقال ابن عباس : أي : دخل في ديني.
فإن قيل : فعلى هذا يصير قوله :" مُؤمِناً " مكرراً.
فالجواب : إنَّ من دخل في دينه ظاهراً قد يكون مُؤمناً، وقد لا يكون مؤمناً، فالمعنى : ولمن دخل دخولاً مع تصديق القلبِ.
٤٠٢
قوله :﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، خصَّ نفسه أولاً بالذكر والدعاء، ثم المتصلين به لأنَّهم أولى، وأحق بدعائه، ثم عمَّ المؤمنين، والمؤمناتِ إلى يوم القيامة، قاله الضحاك.
وقال الكلبيُّ : من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقيل : من قومه، والأول أظهر، ثم ختم الكلام مرةً أخرى بالدعاءِ على الكافرين [فقال :﴿وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً﴾، أي : هلاكاً، ودماراً، والمراد بالظالمين : الكافرين فهي عامة في كل كافر ومشرك.
وقيل : أراد مشركي قومه، و " تَبَاراً " مفعول ثاني، والاستثناءُ مفرغ، والتبار : كل شيء أهلك فقد تبر، ومنه قوله تعالى :﴿إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ﴾ [الأعراف : ١٣٩].
وقيل : التَّبارُ الخُسران.
قال المفسّرون : فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم.
رى الثعلبيُّ عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورةَ نُوحٍ، كَانَ مَنَ المُؤمِنْينَ الَّذينَ تُدركُهمْ دَعْوَة نُوحٍ عليْهِ السَّلامُ "
٤٠٣
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٩١


الصفحة التالية
Icon