يعني إثماً، ورجل مرهق، أي : يغشاه السائلون.
قال الواحديُّ : الرَّهَقُ : غشيان الشيء، ومنه قوله تعالى :﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾.
وأضيفت الزيادةُ إلى الجن إذ كانوا سبباً لها.
وقال مجاهد أيضاً :" فزَادُوهُم " أي : أن الإنس زادوا الجنَّ طغياناً بهذا التعوذ، حتى قالت الجنُّ :" سدنا الإنس والجن ".
وقال قتادة أيضاً، وأبو العالية والربيع وابن زيد : ازداد الإنس بهذا فرقاً وخوفاً من الجن.
وقال سعيد بن جبير : كفراً.
ولا يخفى أنَّ الاستعاذة بالجنِّ دون الاستعاذة بالله شركٌ وكفرٌ.
وقيل : لا يطلق لفظ الرجال على الجنِّ، فالمعنى : وأنه كان رجالٌ من الإنس يعرفون من شرِّ الجن برجال من الإنس وكان الرجل من الإنس يقول مثلاً : أعوذ بحذيفة بن بدر من جنِّ هذا الوادي.
قال القشيريُّ : وفي هذا تحكم إذ لا يبعد إطلاق الرِّجالِ على الجن.
وقوله :" مِنَ الإنس " صفة لـ " رِجَالٌ " وكذلك قوله " مِنَ الجِنِّ ".
٤١٧
قوله تعالى :﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً﴾.
الكلام في " أنْ لنْ " كالكلام في الأول، و " أن " وما في خبرها، سادةٌ مسدَّ مفعولي الظن والمسألة من باب الإعمال، لأن " ظنُّوا " يطلب مفعولين، و " ظَننْتُم " كذلك، وهو من أعمال الثاني للحذف من الأول.
والضمير في " أنَّهُم ظنُّوا " للإنس، وفي " ظَنَنْتُمْ "، للجن، ويجوز العكس فصل في الخطاب في الآية هذا من قول الله تعالى للإنس، أي : وإن الجن ظنوا أن لن يبعث الله الخلق كما ظننتم.
قال الكلبيُّ : ظنت الجنُّ كما ظنت الإنس أن لن يبعث الله رسولاً من خلقه يقيم به الحجة عليهم وكل هذا توكيد للحجة على قريش، أي : إذا آمن هؤلاء الجن بمحمد ﷺ فأنتم أحق بذلك.
قوله :﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ﴾.
هذا من قول الجنِّ، أي : طلبنا خبرها كما جرت عادتنا ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً﴾، أي ملئت حفظاً يعني : الملائكة.
فاللَّمْسُ : المس، فاستعير للطلب، لأن الماس متقرب، يقال : لمسه والتمسه ونحوه الجس يقال : جسوه بأعينهم وتجسسوه.
والمعنى : طلبنا بلوغ السَّماء واستماع كلام أهلها.
قوله :﴿فَوَجَدْنَاهَا﴾، فيها وجهان : أظهرهما : أنها متعدية لواحد ؛ لأن معناها : أصبنا وصادفنا، وعلى هذا فالجملة من قوله " مُلِئْتَ " في موضع نصب على الحال على إضمار " قَدْ ".
و " حَرَساً " نصب على التمييز نحو " امتلأ الإناء ماء ".
والحَرَس : اسم جمع لـ " حَرِس " نحو " خَدَم " لـ " خَادِم " و " غيب " لغائب، ويجمبع تكسيراً على " أحْراس " ؛ كقول امرىء القيس :[الطويل] ٤٨٩٦ - تَجَاوَزْتُ أحْرَاساً وأهْوَال مَعْشَرٍ
حِرَاصٍ عليَّ لو يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٠٤
٤١٨
والحاس : الحافظُ الرقيبُ، والمصدر الحراسةُ، و " شديداً " صفة لـ " حَرسَ " على اللفظ ؛ كقوله :[الرجز]
٤٨٩٧ - أخْشَى رُجَيْلاً أو رُكَيْباً عَادِياً
ولو جاء على المعنى لقيل :" شداد " بالجمع، لأن المعنى : مُلئتْ ملائكة شداد، كقولك السلف الصالحن يعني : الصالحين.
قال القرطبيُّ :" ويجوز أن يكون حَرَساً مصدراً على معنى : حرست حراسة شديدة ".
قوله :" وشُهُباً ".
جمع " شِهَاب " كـ " كِتَابِ وكُتُب ".
وقيل : المراد النجوم، أو الحرسُ أنفسهم، وهو تانقضاض الكواكب المحرقة لهم عن اشتراقة السمع، وقد تقدم في سورة " الحجر، والصافات ".
وإنَّما عطف بعض الصفات على بعض عند تغاير اللفظ، كقوله :[الطويل] ٤٨٩٨ -..........................
وهِنْدٌ أتَى مِنْ دُونهَا النَّأيُ والبُعْدُ
وقرأ الأعرجُ :" مُلِيتْ " بياء صريحة دون همزة.
قوله :﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾، المقاعد : جمع " مقعد " اسم مكان، والضمير في " منها "، أي : من السماء، والمقاعد مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء، وذلك أنَّ مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماءِ فيلقوها إلى الكهنة فحرسها الله - تعالى - حين بعث رسوله بالشهب المحرقةِ، فقالت الجن حينئذ :﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾ يعني بالشهاب الكواكب المحرقة.
قوله " الآن ".
هو ظرفٌ حالي، واستعير هنا للاستقبال، كقوله الشاعر :[الوافر] ٤٨٩٩ -.....................
سأسْعَى الآنَ إذ بَلغَتْ إنَاهَا
فاقترن بحرف التنفيس، وقد تقدم هذا في البقرة عند قوله :" فالآن باشروهن ".
٤١٩
و " رصداً " إما مفعول له، وإما صفة له " شهاباً " أي " ذا رصد " وجعل الزمخشري :" الرصد " اسم جمع كـ " حرس "، فقال : والرصد : اسم جمع للراصد كـ " حرس " على معنى : ذوي شهاب راصدين بالرجم وهم الملائكة ويجوز أن يكون صفة لـ " شهاب " بمعنى الراصد، أو كقوله :[الوافر] ٤٩٠٠ -.......................
............
ومِعَى جَياعَا


الصفحة التالية
Icon