أن الكلمة عربية، ولكنها شائعة في كلام الحبشة] غالبة عليهم، وإلاَّ فليس في القرآن ما ليس من لغة العرب ".
الرابع :﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ : ساعاته، وأوقاته ؛ لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء.
قال القرطبيُّ :" لأنها تنشأ أولاً فأولاً، يقال : تنشأ الشيء ينشأ إذا ابتدأ، وأقبل شيئاً بعد شيء فهو ناشىء، وأنشأه اللهُ فنشىء، فالمعنى : ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم فالتأنيث للفظ الساعة، لأن كل ساعة تحدث ".
وقيدها الحسن وابن عبَّاسٍ : بما كان بعد العشاء، إن كان قبلها فليس بنائشة، وخصصتها عائشة رضي الله عنها بأن تكن بعد النوم، فلو لم يتقدَّمها نوم لم تكن ناشئة.
قوله :﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْأً﴾.
قرأ أبو عمرو وابن عامرٍ : بكسر الواو، وفتح الطاء بعدها ألف، والباقون : بفتح الواو وسكون الطاء.
وقرأ قتادة وشبل عن أهل مكة :" وِطْأً "، بكسر الواو وسكون الطاء.
وظاهر كلام أبي البقاء أنه قرىء بفتح الواو مع المد، فإنه قال :" وِطْأ " بكسر الواو بمعنى مواطأة "، وبفتحها اسم للمصدر، ووطأ على " فعل " وهو مصدر وطىء، والوطاء : مصدره " وِطَاء " كـ " قِتَال " مصدر " قَاتلَ "، والمعنى : أنها أشد مُواطأة، أي : يواطىء قلبها لسانها إن أردت النفس، ويواطىء قلب النائم فيها لسانه إن أردت القيام، أو العبادة، أو الساعات، أو أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص.
والوطء - بالفتح والكسر - : على معنى أشد ثبات قدم، وأبعد من الزلل وأثقل وأغلظ من صلاة النهار على المصلي من قوله - عليه الصلاة والسلام - :" اللَّهُمَّ اشدُدْ وطْأتكَ على مُضَر " وعلى كل تقدير : فانتصابه على التمييز.
قوله :﴿وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾.
٤٦٢
حكى الزمخشريُّ : أن أنساً قرأ :" وأصوب قِيْلاً " فقيل : له : يا أبا حكمزة إنما هي " وأقْوَمُ "، فقال : إن أقوم، وأصوب وأهيأ، واحد، وأنَّ أبا السرار الغنوي كان يقرأ :﴿فَحَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ﴾ [الإسراء : ٢٥] - بالحاء المهملة - فقيل له : هي بالجيم فقال : جَاسوا وحاسوا واحد.
قال شهاب الدين :" وغرضه من هاتين الحكايتين، جواز قراءة القرآن بالمعنى، وليس في هذا دليل ؛ لأنه تفسيرُ معنى، وأيضاً، فالذي بين أيدينا قرآن متواتر، وهذه الحكاية آحاد، وقد تقدم أن أبا الدرداء كان يُقْرِىءُ رجلاً، ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ﴾ [الدخان : ٤٣]، فجعل الرجل يقول : طعام اليتيم، فليما تبرم منه قالك طعام الفاجر يا هذا، فاستدل به على ذلك من يرى جوازه، وليس فيه دليل، لأن مقصود أبي الدرداء بيان المعنى فجاء بلفط مبين ".
قال الأنبياري : وذهب بعض الزائغين إلى أن من قال : إن من قرأ بحرف يوافق معنى حرف من القرآنِ، فهو مصيب إذا لم يخالف ولم يأت بغير ما أراد الله، واحتجوا بقول أنس هذا، وهذا قول لا يعرج عليه، ولا يلتفت إلى قائله، لأنه لو قرىء بألفاظ القرآن إذا قاربت معانيها، واشتملت على غايتها لجازأن يقرأ في موضع ﴿الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ : الشكر للباري ملك المخلوقين، ويتسع الأمر في هذا، حتى يبطل لفظ جميع القرآن، ويكون التالي له مفرتياً على الله - تعالى - كاذباً على رسوله ﷺ ولا حجة لهم في قول ابن مسعود :" نَزلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ، إنما هو كقول أحدكم : تعلم، وتعال، وأقبل " ؛ لأن هذا الحديث يوجب أن القراءات المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي ﷺ إذا اختلفت ألفاظها، واتفقت معانيها، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في " هَلُمَّ "، وتعال، وأقبل "، فأما ما لم يقرأ به النبي ﷺ وأصحابه، وتابعوهم، فإن من أورد حرفاً منه في القرآن بهت، ومال، وخرج عن مذهب الصواب، وحديثهم الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة لا يصححه أهل العلم.
انتهى.
فصل في فضل صلاة الليل بيَّن تعالى في هذه الآية فضل صلاةِ الليل على صلاة النَّهار، وأن الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما أمكن أعظم للأجر، وأجلب للثواب، كان علي بن الحسين يصلي بين المغرب، والعشاء، ويقول : هذه ناشئة الليل.
وقال عطاء وعكرمة : هو بدوام الليل.
قال في الصحاح :" ناشئة الليل " أول ساعاته.
٤٦٣


الصفحة التالية
Icon