والمعنى : طعاماً غير سائغ يأخذ بالحلق، لا هو نازل، ولا هو خارج وهو كالغسلين، والزَّقُّوم والضريع.
قاله ابن عباس.
وعنه أيضاً : أنه شوك يدخل الحلق فلا ينزل ولا يخرج.
وقال الزجاجُ : أي : طعامهم الضريع، وهو شوك كالعوسج.
وقال مجاهد : هو كالزقوم.
والغصة : الشجى، وهو ما ينشب في الحلق من عظم، أو غيره، وجمعها : غُصَص، والغَصَصُ - بالفتح - مصدر قولك " غَصِصْتَ " يا رجل تَغُصُّ، فأنت غاصٌّ بالطعام وغصَّان وأغْصصتُهُ أنا، والمنزل غاص بالقوم أي ممتلىء بهم ".
ومعنى الآية : أن لدينا في الآخرة ما يضادّ تنعمهم في الدنيا، وهذه هي الأمور الأربعة : الأنكال، والجحيم، والطعام الذي يغص به، والعذاب الأليم، والمراد به : سائرث أنواع العذاب : قوله :﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾.
أي : تتحرك، وفي نصب " يوم " أوجه : أحدها : أنه منصوب بـ " ذرني "، وفيه بعد.
والثاني : أنه منصوب بنزع الخافض أي : هذه العقوبة في يوم ترجف.
الثالث : أنه منصوب بالاستقرار المتعلق به " لَديْنَا ".
والرابع : أنه صفة لـ " عَذاباً " فيتعلق بمحذوف، أي عذاباً واقعاً يوم ترجف.
الخامس : أنه منصوب بـ " ألِيْم ".
والعامة :" تَرجُف " - بافتح التاء، وضم الجيم - مبنياً للفاعل.
وزيد بن علي : مبنياً للمفعول، من أرجفها : والرجفة : الزلزلة والزعزعة الشديدة.
٤٧١
قوله :﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ﴾، أي : وتكون الجبال ﴿كَثِيباً مَّهِيلاً﴾، الكثيب : الرمل المجتمع.
قال حسان :[الوافر] ٤٩٣١ - عَرفْتُ دِيَارَ زَينَب بالكَثِيبِ
كخَطِّ الوحْي في الورَقِ القَشِيبِ
والجمع في القلة :" أكْثِبَةٌ "، وفي الكثرة :" كثبان " و " كُثُب " كـ " رَغيف وأرغِفَة، ورُغْفَان ورُغُف ".
قال ذو الرمة :[الطويل] ٤٩٣٢ - فَقلْتُ لهَا : لا إنَّ أهْلِي لَجيرةٌ
لأكْثِبَةِ الدَّهْنَا جَمِيعاً ومَالِيَا
قال الزمخشري : من كثبت الشيء إذا جمعته، ومنه الكثبة من اللبن ؛ قالت الضائنة : أجَزُّ جُفالاً، وأحلبُ كُثَباً عُجَالاً.
[والمهيل : أصله " مهيول " كـ " مضروب " استثقلت الضمة على الياء] فنقلت إلى الساكن قبلها، وهو الهاء فالتقى ساكنان، فاختلف النحاة في العمل في ذلك : فسيبويه، وأتباعه حذفوا الواو، وكانت أولى بالحذف، لأنها زائدة، وإن كانت القاعدة إنما تحذف لالتقاء الساكنين الأول، ثم كسروا الهاء لتصح الياء، ووزنه حينئذ " مفعل ".
والكسائي والفراء والأخفش : حذفوا الياء، لأن القاعدة في التقاء الساكنين : إذا احتيج إلى حذف أدهما حذف الأول، وكان ينبغي على قولهم أن يقال فيه :" مهول " إلا أنهم كسروا الهاء لأجل الياء التي كانت فقلبت الواو ياء، ووزنه حينئذ " مفعول " على الأصل، و " مفيل " بعد القلب.
قال مكي :" وقَدْ أجَازوا كلهم أن يأتي على أصله في الكلام، فتقول : مهيول ومبيوع "، وما أشبه ذلك من ذوات الياء، فإن كان ذوات الواو لم يجز أن يأتي على أصله عند البصريين، وأجازه الكوفيون، نحو : مقول، ومصووغ.
وأجازوا كلهم : مهول ومبوع، على لغة من قال : بوع المتاع، وقول القول، ويكون الاختلاف في المحذوف منه على ما تقدم.
قال شهاب الدين :" التمام في " مبيوع، ومهيول " وبابه، لغة تميم، والحذف لغة سائر العرب ".
٤٧٢
ويقال : هلتُ التراب أهيله هيلاً، فهو مهيل فيه.
وفيه لغة : أهلتُه - رباعيّاً - إهالةً فهو مُهال، نحو أبعته إباعة فهو مباع.
والمهيل من هال تحته القدم أي انصب أي هلت التراب أي طرحته.
وقال القرطبيُّ : والمَهِيلُ : الذي يمر تحت الأرجل، قال الضحاك والكلبي : المهيل : الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها، فإذا أخذت أسفله انهال.
وقال ابن عباس :" مهيلاً " أي : رملاً سائلاً متناثراً.
قال القرطبيُّ : وأصله مَهْيُول، وهو " مفعُول " من قولك : هلت التراب عليه أهيلة إهالة وهيلاً، إذا صببته.
يقال : مَهِيل ومَهْيُول، ومَكِيل ومكيول، ومَدِين ومديُون ومَعِين ومَعْيُون.
قال الشاعر :[الكامل] ٤٩٣٣ - قَدْ كَانَ قَومُكَ يَحسبُونكَ سيِّداً
وإخَالُ أنَّكَ سيِّدٌ مَعيُونُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٦٩
وقال - عليه الصلاة والسلام - حين شكوا إليه الجدوبة :" أتكِيْلُون أمْ تَهِيْلُون " ؟ قالوا : نهيل.
قال :" كِيلُوا طَعامَكُم يُبارِكْ لَكُمُ الله فِيْهِ "
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٦٩
واعلم أنه تعالى لما خوف المكذبين أولي النَّعمةِ بأهوال يوم القيامة خوفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا، فقال :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً﴾ يريد النبي ﷺ أرسله إلى قريش ﴿كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً﴾ وهو موسى - عليه الصلاة والسلام - وهذا تهديد لأهل مكة بالأخذ الوبيل.
٤٧٣


الصفحة التالية
Icon