سورة المدثر
مكية، وهي ست وخمسون آية، ومائتان وخمس وخمسون كلمة، وألف وعشرة أحرف.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٧٩
قوله تعالى :﴿ يا أيها الْمُدَّثِّرُ﴾ ؛ يا أيها الذي قد دثر ثيابه، أي : تغشى بها ونام.
وقرأ العامة : بتشديد الدال وكسر الثاء، اسم فاعل من " تدثَّر " وأصله : المتدثر فأدغم كـ " المزمّل ".
وفي حرف أبي :" المتدثر " على الأصل المشار إليه.
وقرأ عكرمة : بتخفيف الدال، اسم فاعل من " دثّر " - بالتشديد - ويكون المفعول محذوفاً أي : المدثر نفسه، كما تقدم.
وعنه أيضاً : فتح الثاء.
ومعنى " تَدثَّر " لبس الدِّثَار، وهو الثوب الذي فوق الشِّعار، " والشِّعَار " : ما يلي الحسد، وفي الحديث :" الأنْصَارُ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ ".
و " سيف دَاثِر " : بعيد العَهْد الصِّقال.
ومنه قيل للمنزل الدارس : داثر لذهاب أعلامه وفلان داثرُ المال، أي : حسن القيام به.
قوله :" قُمْ " إما أن يكون من القيام المعهود، فيكون المعنى : قم من ضجعك، وإما من " قام " بمعنى الأخذ في القيام، كقوله :[الطويل] ٤٩٤٤ - فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسيْفِهِ
.....................
٤٩٠
وقوله :[الوافر] ٤٩٤٥ - عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمُ
.......................
في أحد القورين، فيكون المعنى : قيام عزم وتصميم، والقول الآخر : أن " قام " مزيدة، وفي جعلها بمعنى الأخذ في القيام نظر ؛ لأنه حينئذ يصير من أخوات " عَسَى " فلا بد له من خبر يكون فعلاً مضارعاً مجرداً.
قوله :﴿فَأَنذِرْ﴾، مفعوله محذوف، أي : أنذر قومك عذاب الله، والأحسن أن لا يقدر له، أي : أوقع الإنذار.
فصل في معنى الآية المعنى : يا أيها الذي قد دُثِّر ثيابه، أي : تغشى بها ونام.
وقيل : ليس المراد التدثر بالثوب، فإن قلنا التدثر، ففيه وجوه : أحدها : أن هذا من أوائل ما نزل من القرآن.
روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال :" كُنْتُ عَلى جَبلِ جِراءَ، فنُودِيتُ يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ لرَسُولٌ، فنَظرْتُ عَنْ يَمِينِي، ويسَارِي، فَلمْ أرَ أحَداً فنَظرْتُ فَوْقِي فَرأيتُ المَلكَ الذي جَاءَنِي بحِراءَ جَالِساً عَلى كُرسِي بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فَخِفْتُ فَرجَعْتُ إلى خَدِيْجَةَ، فقلتُ : دَثِّرُوني، وصبُّوا عليَّ ماءاً بارداً "، فأنزلَ اللَّهُ تعالى :﴿ يا أيها الْمُدَّثِّرُ﴾.
وثانيها : أن أبا جهل، وأبا لهب، وأبا سفيان، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأميَّة بن خلف، والعاص بن وائل والمطعم بن عدي، اجتمعوا وقالوا : إنَّ وفود العرب مجتمعون في أيام الحج، وهم يسألون عن أمر محمدٍ ﷺ وقد اختلفتم في الإخبار عنه، فمن قائل هو مجنون.
وقائل : كاهن.
وقائل : ساحر، وتعلم العرب أن هذا كله لا يجتمع في رجل واحج، فيستدلون باختلاف الأجوبة على أنها أجوبة باطلة، فسمُّوا محمداً باسم واحد يجتمعون عليه، وتسميه العرب به فقدم رجل منهم فقال : إنه شاعر، فقال الوليد : سمعت كلام عبيدة بن الأبرص [وكلام أمية بن أبي الصلت، وكلامه ما يشبه كلامهما، فقالوا : كاهن : فقال :] الكاهن يصدق ويكذب، وما كذب محمد صلى الله عليه وسلم
٤٩١