أوقات الإهلال بالذبائح تخليصاً له من الشرك، وإعلاناً باسمه بالنسك، وإفراداً لما شرع من أمره بالسفك.
والمنقول عن النبي ﷺ في التكبير في الصلاة هو لفظ " اللَّهُ أكبَرُ ".
وقال المفسرون : لما نزل قوله تعالى :﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ قام النبي ﷺ وقال : اللَّهُ أكبر، فكبرت خديجة - رضي الله عنها - وعلمت أنه وحي من الله تعالى ذكره القشيري.
وقال الكلبيُّ : فعظم ربَّك عما يقوله عبدة الأوثان.
قال مقاتل : هو أن يقال : الله أكبر.
وقيل : المرادُ منه التكبير في الصلاة.
فإن قيل : هذه السورة نزلت في أول البعث، ولم تكن الصلاة واجبة.
فالجواب : لا يبعد أنه كانت له - عليه الصلاة والسلام - صلوات تطوع فأمر أن يُكبِّر ربَّه فيها ابن الخطيب : وعندي أنه لما قيل له :﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ قيل بعد ذلك ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ عن اللغو والرفث.
قوله :﴿وَثَيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾.
قيل : المراد الثياب الملبوسة، فعلى الأول يكون المعنى : وعملك فأصلح، قاله مجاهد وابن زيد والسديُّ، وروى منصور عن أبي رزين، قال : يقول : وعملك فأصلح.
وإذا كان الرجل خبيث العمل، قالوا : إن فلاناً خبيث الثيابِ، وإذ كان الرجل حسن العمل، قالوا : إنَّ فلاناً طاهر الثياب، ومنه قول النبي ﷺ :" يَحْشرُ المَرءُ فِي ثَوبَيْهِ الَّذي مَاتَ فِيْهِمَا "، يعني : عمله الصالح والطالح، ذكره الماوردي.
ومن قال المراد به القلب، قلبك فطهر، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير رضي الله عنهما ؛ ومنه قول امرىء القيس :[الطويل] ٤٩٤٦ -...................
فَسُلِّي ثِيَابِي مِن ثِيابكِ تَنْسُلِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٩٠
أي : قلبي من قلبك.
٤٩٤
قال الماورديُّ : ولهم في تأويل الآية وجهان : أحدهما : المعنى : وقلبك فطهر من الإثم والمعاصي قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : وقلبك فطهر من القذر، أي : لا تقذر فتكون دنس الثياب وهو ما يروى عن ابن عباس أيضاً، واستشهدوا بقوله غيلان بن سلمة الثقفي :[الطويل] ٤٩٤٧ - فَإنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ غَادِرٍ
لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرةٍ أتقنَّعُ
ومن قال : المراد به النفس، قال : معناه ونفسك فطهر، أي : من الذنوب، والعرب تكني عن النفس بالثياب.
قاله ابن عباس - رضي الله عنه - ؛ ومنه قول عنترة :[الكامل] ٤٩٤٨ - فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الطَّويلِ ثِيابَهُ
لَيْسَ الكرِيمُ على القَنَا بِمُحَرَّمِ
وقول امرىء القيس المتقدم.
ومن قال : بأنه الجسم قال : المعنى وجسمك فطهر من المعاصي الظاهرة، ومنه قول ليلى تصف إبلاً :[الطويل] ٤٩٤٩ - رَموْهَا بأثْوابٍ خِفافاٍ فلا تَرَى
لَهَا شَبَهاً إلاَّ النَّعامَ المُنفَّرَا
أي : ركبوها فرموها بأنفسهم.
ومن قال : المراد به الأهل، قال : معناه : وأهلك طهرهم من الخطايا بالموعظة والتأديب، والعرب تسمي الأهل ثوباً وإزاراً ولباساً، قال تعالى :﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ [البقرة : ١٨٧].
قال الماورديُّ : ولهم في تأويل الآية وجهان : الأول : معناه : ونساءك فطهر باختيار المؤمنات العفائف.
الثاني : الاستمتاع بهن في القبل دون الدبر في الطهر إلا في الحيض حكاه ابن بحر.
٤٩٥
قال ابن الخطيب :" وحمل الآية على هذا التأويل يعسر لأنه على هذا الوجه لا يحسن اتصال الآية بما قبلها ".
ومن قال المراد به الخلق قال معناه : وخلقك فحسِّنْ قاله الحسن والقرظي ؛ لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه ؛ قال الشاعر :[الطويل] ٤٩٥٠ - فَلاَ أبَ وابْناً مِثْلَ مَرْوانَ وابْنِهِ
إذَا هُوَ بالمَجْدِ ارتَدَى وتَأزَّرَا
والسبب في حسن هذه الكناية وجهان : الأول : أن الثوب كالشيء الملازم للإنسان فلهذا جعلوا الأثواب كناية عن الإنسان، فيقال : المجد ي ثوبه والعفة في إزاره.
الثاني : أنه من طهر باطنه غالباً طهر ظاهره، ومن قالك المراد به الدين فمعناه : ودينك فطهر.
جاء في الصحيح : أنه ﷺ قال :" ورأيتُ النَّاس وعَلَيْهِمْ ثِيابٌ مِنْهَا ما يَبلغُ الثُّدِيَّ، ومِنْهَا دونَ ذلِكَ، ورَأيْتُ عُمر بن الخطَّاب، وعليْهِ إزارٌ يُجُرُّهُ، قالوا : يا رسُولَ اللَّهِ فَمَا أوَّلتَ ذلِكَ ؟ قال : الدِّينُ " وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قوله تعالى :﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ قال : معناه لا تلبس ثيابك على عذرة ؛ قال ابن أبي كبشة :[الطويل] ٤٩٥١ - ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهارَى نَقيَّةٌ
وأوْجُهُهمْ عِنْدَ المُشاهدِ غُرَّانُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٩٠
٤٩٦