وقيل :" شهوداً " أي : صاروا مثلهُ في شهود ما كان يشهدُ، والقيام بما كان يباشره.
قال مجاهد وقتادة : كانوا عشرة.
وقال السديُّ والضحاكُ : كانوا اثني عشر رجلاً، وعن الضحاك : سبعة ولدُوا بمكة، وخمسة بالطائف.
وقال مقاتل : كانوا سبعة أسلم منهم ثلاثةٌ : خالد، وهشام، والوليد بن الوليد، قال : فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك قال ابن الخطيب كانوا سبعة الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص، وعبد القيس، وعبد شمس أسلم منهم ثلاثة : خالد، وعمارة، وهشام.
قوله :﴿وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً﴾، أي : بسطتُ له في العيش بسطاً في الجاه العريض والرياسة في قومه.
والتميهدُ عند العرب : التوطئة والتهيئة.
ومنه : مهدُ الصبيّ.
وقال ابن عباس :﴿ومَهَّدتُ لهُ تَمْهِيداً﴾ أي : وسعَّتُ له ما بين " اليمن " إلى " الشام "، وهو قول مجاهدٍ وعن مجاهد أيضاً : أنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش.
قوله تعالى :﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاَّ﴾.
لفظة " ثُمَّ " - هاهنا - معناها : التعجب كقولك لصاحبك : أنزلتك داري وأطعمتك وأسقيتك ثم أنت تشتمني، ونظيره : قوله تعالى :﴿ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام : ١]، فمعنى " ثُمَّ - هاهنا - الإنكارُ والتعجبُ، أي : ثم الوليد يطمعُ بعد هذا كله أن أزيدهُ في المالِ والولدِ، وقد كفر بِي قاله الكلبي ومقاتل، ثم قال :" كَلاَّ " ليس يكون ذلك مع كفرهِ بالنعمِ.
قال الحسنُ وغيره : أي : ثُمَّ يطمعُ أن أدخلهث الجنة، وكان الوليد يقولُ : إنْ كَانَ محمدٌ صادقاً فما خلقتِ الجنة إلا لي، فقال الله عزَّ وجلَّ رداً عليه وتكذيباً له :" كلاَّ " لستُ أزيدهُ، فلمْ يزلْ في نقصانٍ بعد قوله :" كلاَّ " حتى افتقر ومات فقيراً.
وقيل : أي : ثم يطمع أن أنصره على كفره، " كَلا " قطع للرجاء عما كان يطمع فيه من الزيادة، فيكون متصلاً بالكلام الأول.
٥٠٩
وقيل :" كَلاَّ " بمعنى " حقاً "، ويبتدىء بقوله " إنَّهُ " يعني الوليد ﴿كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً﴾، أي : معانداً للنبي ﷺ وما جاء به.
قال الزمخشريُّ :﴿إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً﴾ استئناف جواب لسائل سأل : لم لا يزداد مالاً، وما باله ردع عن طبعه ؟.
فأجيب بقوله :﴿إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً﴾، انتهى.
فيكون كقوله ﷺ في الهرة :" إنَّها ليْسَتْ بنجسٍ، إنَّها مِنَ الطوَّافِيْنَ عَليْكُمْ " والعنيد : المعاند.
يقال : عاند فهو عنيد وعانِد، والمعاند : البعير الذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد، والجمع : عند مثل :" راكع وركع "، قاله أبو عبيدة ؛ وأنشد قول الحازميِّ :[الرجز] ٤٩٥٩ - إذَا رَكبتُ فاجْعَلانِي وَسَطا
إنَّي كَبِيرٌ لا أطيقُ العُنَّدا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
وقال أبو صالح :" عنيداً " معناه : مباعداً ؛ قال الشاعر :[الطويل] ٤٩٦٠ - أرَانَا على حَالٍ تُفَرِّقُ بَيْنَنا
نَوّى غُرْبَةٌ إنَّ الفِراقَ عَنُودُ
وقال قتادة : جاحداً.
وقال مقاتل : معرضاً.
وقيل : إنه المجاهر بعداوته.
وعن مجاهد : أنه المجانب للحق.
قال الجوهري : ورجل عنود : إذا كان لا يخالط الناس، والعنيد من التجبر، وعرق عاند : إذا لم يرقأ دمه، وجمع العنيد عُنُد مثل رغيب ورغف، والعنود من الإبل : الذي لا يخالط الإبل إنما هو في ناحية، والعنيد في معنى المعاند كالجليس والأكيل والعشير.

فصل في بيان فيما كانت المعاندة في الآية إشارة إلى أنه كان يعاند في أمور كثيرة :


٥١٠


الصفحة التالية
Icon