جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
فصل في معنى الآية معنى الآية : قطب وجهه في وجوه المؤمنين، وذلك أنه لما قال لقريش محمداً ساحر مرَّ على جماعة من المسلمين، فدعوه إلى الإسلام، فعبس في وجوههم.
وقيل : عبس على النبي ﷺ حين دعاه، والعبس : مصدر " عبس " مخففاً "، كما تقدم.
قوله :" وَبَسَرَ "، يقال : بَسَر يَبسُرُ بسراً وبُسُوراً " إذا قبض ما بين عينيه كراهة للشيء واسود وجهه منه، يقال : وجه باسر، أي منقبض مسود كالح متغير اللون، قاله قتادة والسدي ؛ ومنه قول بشير بن الحارث :[المتقارب] ٤٩٦٢ - صَبَحْنَا تَمِيماً غَداةَ الجِفارِ
بِشهْبَاءَ ملمُومةٍ بَاسِرَهْ
وأهل اليمين يقولون : بسر المركب بسراً، أي : وقف لا يتقدم، ولا يتأخر، وقد أبسرنا : أي صرنا إلى البسور.
وقال الراغب : البسر استعجال الشيء قبل أوانه، نحو : بشر الرجل حاجته طلبها في غير أوانها، وماء بسر متناول من غديره قبل سكونه، ومنه قيل للذي لم يدرك من التمر : بسر، وقوله تعالى :﴿عَبَسَ وَبَسَرَ﴾، أي : أظهر العبوس قبل أوانه، وقبل وقته.
قال : فإن قيل : فقوله تعالى :﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ﴾ [القيامة : ٢٤]، ليس يفعلون ذلك قبل الموت، وقد قلت : إن ذلك يكون فيما يقع قبل وقته.
قيل : أشير بذلك إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار، فخص لفظ البسر تنبيهاً على أن ذلك مع ما ينالهم من بعد، يجري مجرى التكلف، ومجرى ما يفعل قبل وقته.
ويدل على ذلك ﴿تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ [القيامة : ٢٥].
٥١٣
وقد عطف في هذه الجمل بحروف مختلفة، ولكل منها مناسبة، أما ما عطف بـ " ثُمَّ " فلأن بين الأفعال مهلة، وثانياً : لأن بين النظر، والعبوس، وبين العبوس، والإدبار تراخياً.
قال الزمخشريُّ : و " ثمّ نظر " عطف على " فكَّر " و " قدَّر "، والدعاء اعتراض ينهما، يعني بالدعاء قوله :" فَقُتِل "، ثم قال : فإن قلت : ما معنى " ثُمَّ " الداخلة على تكرير الدعاء ؟.
قلت : الدلالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى ؛ ونحوه قوله :[الطويل] ٤٩٦٣ - ألاَ يَا اسْلمِي ثُمَّ ثُمَّتَ اسْلَمِي
.....................
فإن قيلت : ما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها ؟.
قلت : للدلالة على أنه تأنَّى في التأمل، والتمهل، وكأن بين الأفعال المتناسقة تراخٍ، وتباعد، فإن قلت : فلم قال :" فَقالَ " - بالفاء - بعد عطف ما قبله بـ " ثُمَّ " ؟.
قلت : لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث، فإن قلت : فلم لم يتوسط حرف العطف بين الجملتين ؟.
قلت : لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التأكيد من المؤكد.
قوله تعالى :﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾، أي : ولى وأعرض ذاهباً عن سائر الناس إلى أهله.
﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ حين دعي إلى الإيمان، أي : تعظم.
﴿إن هذا﴾ أي : ما هذا الذي أتى به محمد ﷺ ﴿إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾، أي : تأثره عن غيره.
والسحر : الخديعة.
وقيل : السحر إظهار الباطل في صورة الحق.
والأثر : مصدر قولك : أثرت الحديث آثره، إذا ذكرته عن غيرك ؛ ومنه قيل : حديث مأثور، أي : ينقله خلف عن سلف ؛ قال الأعشى :[السريع] ٤٩٦٤ - إنَّ الَّذي فيه تَمَاريْتُمَا
بُيِّنَ للسَّامِع والآثِرِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
قال ابن الخطيب : فيه وجهان :
٥١٤


الصفحة التالية
Icon