فقرأ هذه الآية، فقالك ما تسعة عشر تسعة عشر ألف ملك أو تسعة عشر ملكاً ؟ قال : قلت : لا بل تسعة شعر ملكاً، قال : وأني تعلم ذلك ؟ قلت : لقول الله - عز وجل - :﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ﴾ [المدثر : ٣١] قال : صدقت، هم تسعة عشر ملكاً.
قال ابنُ جريج : نعت النبي ﷺ خزنة جهنم، فقال رسول الله ﷺ :" أعْينُهُمْ كالبَرْقِ، وأنْيابُهمْ كالصَّيَاصي، وأشْعارُهمْ تَمَسُّ أقْدامَهُمْ يَخرجُ لهَبُ النَّارِ مِنَ أفْواهِهِمْ "، الحديث.
قال ابن الأثير :" الصَّياصِي : قرون البقر ".
وروى الترمذي عن عبد الله قال :" قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي ﷺ فقال : يا محمد غلب أصحابك اليوم، فقال : وبماذا غلبوا ؟.
قال : سألهم يهود، هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم ؟.
قال : فماذا قالوا ؟ قال : فقالوا : لا ندري حتى نسأل نبينا ﷺ قال ﷺ : أيغلب قومٌ سئلوا عما لا يعلمون، فقالوا : أرنا الله جهرة، عليّ [أعداء الله، إني سائلهم عن تربة الجنة، وهي الدرمك، فلما جاءوا، قالوا : يا أبا القاسم، كم عدد خززنة جهنم ؟.
قال رسول الله ﷺ :" هَكذَا، وهَكذَا "، في مرة عشرة، وفي مرة تسعة، قالوا : نعم فقال لهم رسول الله ﷺ :" مَا تُربَةُ الجنَّةِ " ؟ فسكتوا، ثم قالوا : أخبرنا يا أبا القاسم، فقال رسول الله ﷺ :" الخُبْزُ مِنَ الدَّرْمكِ " قال ابن الأثير : الدرمك : هو الدقيق الحوارى.
قال القرطبيُّ : الصحيح - إن شاء الله - أن هؤلاء التسعة عشر، هم الرؤساء، والنقباء، وأما جملتهم فكما قال تعالى :﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾ [المدثر : ٣١]، وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" يُؤتَى بجَهنَّم يَومئِذٍ، لها سبعُونَ ألفَ زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يَجُرُّونهَا "
٥٢٠
وقال ابن عباس وقتادة والضحاك : لما نزل قوله - عز وجل - ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم، أسمعُ ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم :" تسعة عشر " وأنتم الدهماء - أي العدد العظيم - والشجعان، فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم.
قال السدي : فقال أبو الأسود بن كلدة الجمحي : لا يهولنكم الستعة عشر، أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة وبمنكبي الأيسر التسعة، ثم تمرون إلى الجنة، يقولها مستهزءاً.
وفي رواية : أن الحارث بن كلدة قال : أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني أنتم اثنين، فلما قال أبو الأسود ذلك، قال المسلمون : ويحكم، لا يقاس الملائكة بالحدادين، فجرى هذا مثلاً في كل شيئين لا تساوي بينهما، ومعناه : لا يقاس الملائكة بالسجّانين، والحداد : السجان.
فصل في تقدير عدد الملائكة ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوهاً : منها ما قاله أرباب الحكمةِ : أنّ سبب فساد النفس الإنسانية في قوتها النظرية والعملية، هو القوى الحيوانية والطبيعية، فالقوى الحيوانية : فهي الخمسة الظاهرة، والخمسة الباطنة، والشَّهوة، والغضب هذه اثنا عشر، وأما القوى الطبيعية : فهي الجاذبة، والماسكة، والهاضمة، والدافعة والعادية، والنافية، والمولدة، فالجموع تسعة عشر، فلما كانت هذه منشآت الآفات لا جرم كان عدد الزبانية هكذا.
ومنها : أن أبو جهنم سبعة، فستة منها للكفار وواحدة للفسَّاق، ثم إنَّ الكفَّار يدخلون النار لأمور ثلاثة : ترك الاعتقاد، وترك الإقرار، وترك العمل، فيكون لكل باب من تلك الأبواب الستة لثلاثة، فالمجموع : ثمانية عشر.
وأما باب الفساق : فليس هناك إلا ترك العمل، فالمجموع : تسعة عشر مشغولة بغير العبادة، فلا جرم صار عدد الزبانية تسعة عشر.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٠٦


الصفحة التالية
Icon