وقال الضحاك : هم الذين سبقت لهم منا الحسنى، ونحوه عن ابن جريج قال : كل نفس بعملها محاسبة إلا أصحاب اليمين، وهم أهل الجنة فإنَّهم لا يحاسبون.
وكذا قال مقاتل والكلبي أيضاً : هم أصحاب الجنة الذين كانوا عن يمين آدم - عليه الصلاة والسلام - يوم الميثاق حين قال الله تعالى لهم :" هؤلاء في الجنة ولا أبالي " قال الحسن وابن كيسان : هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين، لأنهم أدَّوا ما كان عليهم.
وعن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : هم المسلمون.
وقيل : إلا أصحاب الحق وأهل الإيمان.
وقيل : هم الذين يُعطون كتبهم بأيمانهم.
وقال أبو جعفر الباقرُ : نحن وشيعتنا أصحاب اليمين، وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون.
قوله تعالى :﴿فِي جَنَّاتٍ﴾.
يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمرٍ، أي : هم في جنات، وأن يكون حالاً من " أصحاب اليمين " ن وأن يكون حالاً من فاعل " يتساءلون ".
ذكرهما أبو البقاء.
ويجوز أن يكون ظرفاً لـ " يتساءلون "، وهو أظهر من الحالية من فاعله.
و " يتساءلون " يجوز أن يكون على بابه، أي : يسأ بعضهم بعضاً، ويجوز أن يكون بمعنى " يسألون " أي يسألون غيرهم، نحو " دَعوْتُه وتَداعَيْتُه ".
قوله :﴿عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ فيه وجهان : الأول : أن تكون كلمة " عن " صلة زائدة، والتقدير : يتساءلون المجرمين، فيقولون لهم :﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾، فإنه يقال : سألته كذا، وسألته عن كذا.
الثاني : أن يكون العنى : أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضاً عن أحوال المجرمين.
فإن قيل : فعلى هذا يجب أن يقولوا :﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ ؟.
فأجاب الزمخشري عنه فقال :" المرادُ من هذا أن المشركين يلقون ما جرى بينهم وبين المؤمنين، فيقولون : قلنا لهم :﴿مَا سلَكَكُمْ في سَقَرَ﴾.
٥٣٣
وفيه وجه آخر وهو : أنَّ المراد أن أصحاب اليمين كانوا يتساءلون عن المجرمين أي هم ؟ فلما رأوهم، قالوا لهم : ما سلككم في سقر ؟ والإضمارات كثيرة في القرآن.
قوله :﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ : يجوز أن يكون على إضمار القول، وذلك في موضع الحال أي : يتساءلون عنهم قائلين لهم : ما سلككم ؟ قال الزمخشري : فإن قلت : كيف طابق بعد قوله :" ما سلككم " وهو سؤال المجرمين، قوله :﴿يَتَسَآءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾، وهو سؤال عنهم، وإنما كان يتطابق ذلك لو قيل : يتساءلون المجرمين : ما سلككم ؟.
قلت : قوله تعالى :﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ ليس ببيانٍ للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم ؛ لأن المشركين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين، فيقولون : قلنا لهم : ما سلككم في سقر ؟ أي : أدخلكم ي سقر، كما تقول : سَلكْتُ الخَيْط في كذا إذا أدخلته فيه، والمقصود من هذا : زيادة التوبيخ والخجيل، والمعنى : ما أدخلكم في هذه الدركةِ من النار ؟ فأجابوا : أن العذاب لأمور أربعة، ثم ذكروها وهي قولهم :﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾.
قال الكلبيُّ رحمه الله : يسألُ الرجلُ من أهل الجنة الرجلَ من أهل النار باسمه فيقول له : يا فلانُ.
وفي قراءة عبد الله بن الزبير : يا فلان، ما سلككم في سقر ؟ وهي قراءة على التفسير ؛ لا أنها قرآن كما زعم من طعن في القرآن.
قاله ابن الأنباري.
وقيل : إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقرباهم، فتسأل الملائكة المشركين، فيقولن لهم : ما سلككم في سقر ؟.
قال الفراء : في هذا ما يقوي أن أصحاب اليمين هم الولدان ؛ لأنهم لا يعرفون الذنوب.
قوله :﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾، هذا هو الدالُّ على فاعل " سلكنا كذا " الواقع جواباً لقول المؤمنين لهم :" ما سلككم " [والتقدير : سلكنا عَدمُ صلاتنا كذا وكذا.
قال أبو البقاء : هذه الجملة سدّت مسدّ الفاعل، وهو جواب : ما سلككم، وهو نظر " مناسككم "، وقد تقدم في " البقرة " ] فصل في تفسير الآية قال القرطبي : معنى قولهم :﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ أي : المؤمنين الذي يصلون ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ أي : لم نكن نتصدق.
٥٣٤