قال الزجاج : المعاذير : الستور، والواحد : معذار.
أي وإن أرخى ستوره يريد أن يخفى عمله فنفسه شاهدة عليه، وقد حذف الياء من " المعاذر " ضرورة.
وقال الزمخشري :" فإن صح - يعني أن المعاذير : الستور - فلأنه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب ".
وهذا القول منه يحتمل أن يكون بياناً للمعنى الجامع بين كون المعاذير : الستور والاعتذارات، وأن يكون بياناً للعلاقة المسوِّعة في التجويز.
فصل في معنى الآية قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن زيد وأبو العالية وعطاء والفراء والسديُّ : المعنى : ولو اعتذر وقال : لم أفعل شيئاً لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه، فهو وإن اعتذر وجادل عن نفسه فعليه شاهد يكذِّب عذرهُ ".
٥٥٧
وقال مقاتل : ولو أدلى بعُذرِ أو حجة لم ينفعه ذلك، نظيره قوله تعالى :﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات : ٣٦] فالمعاذير على هذا مأخوذة من العُذْر.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٥٠
قوله :﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾.
قال بعض الرافضة : عدم مناسبتها لما قبلها يدل على تغيير القرآن.
قال ابن الخطيب : وفي مناسبتها وجوه : الأول : لعل استعجال الرسول إنما كان عند نزول هذه الآية.
الثاني : أنه تقدم أن الإنسان يستعجل بقوله :﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ ثم بين أن العجلة مذمومة في أمر الدين، فقال تعالى :﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾، وقال تعالى بعدها :﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة : ٢٠].
الثالث : أنه قدم ﴿بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ وكان ﷺ إنما يستعجل خشية النسيان، فقيل له ﷺ إن الأمور لا تحصل إلا بتوفيق الله - تعالى - وإعانته، فاعتمد على الله - تعالى - واترك التعجيل.
الرابع : كأنه قيل : غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه، وتبلغه إليهم ليظهر صدقك، وقبح عنادهم، لكنهم يعلمون ذلك بقلوبهم، فلا فائدة في هذا التعجيل.
الخامس : أن الكافر لما قال :" أين المَفر " ؟ كأنه يطلب الفرار من الله تعالى، فكن أنت يا محمد على مضادة الكافر، وفر من غير الله إلى الله.
السادس : قال القفالُ : الخطاب مع الإنسان المذكور في قوله ﴿يُنَبَّأُ الإِنسَانُ﴾ فإذا قيل له : اقرأ كتابك تلجلج لسانه، فيقال له : لا تعجل، فإنه يجب علينا بحكم الوعد، أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك ونقرأها عليك، فإذا قرآناه فاتَّبعْ قرآنه بالإقرار ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾، وهذا فيه وعيد شديد وتهويل.
روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان
٥٥٨


الصفحة التالية
Icon