قال ابن عباس والحسن وقتادة : الأسير من أهل الشرك يكون في أيديهم.
فإن قيل : لمَّا وجل قتله، فكيف يجب إطعامه ؟.
فالجواب : أن القتل في حال لا يمنع من الإطعام في حال أخرى، ولا يجب إذا عوقب بوجهٍ أن يعاقب بوجه آخر، وكذلك لا يحسن فيمن عليه قصاص أن يفعل به ما هو دون القتل، ويجب على الإمام أن يطعمهن فإن لم يفعله الإمام وجب على المسلمين.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الأسير : المحبوس.
وقال السديُّ : الأسير : المملوك، وقيل : الأسير : الغريم، قال رسول الله ﷺ :" أسِيرُكَ غَريمُكَ " وقال عطاء : الأسير من أهل القبلةِ وغيرهم.
قال القرطبي :" هذا يعم جميع الأقوال، ويكون إطعام الأسير المشرك قربة إلى الله تعالى، غير أنه من صدقة التطوع، فأما المفروضة فلا ".
وقيل : الأسير : الزوجة، قال ﷺ :" اتَّقُوا اللهَ فِي النِّساءِ، فإنَّهُنَّ عوانٍ عِنْدكُمْ ".
قال القفال : واللفظ يحتمل كل ذلك ؛ لأن أصل الأسر هو الشك بالقدر، وكان الأسير يفعل به ذلك حبساً له.
فصل في الكلام على الآية قال القرطبي : قيل نسخ آية المسكين آية الصدقات، وإطعام الأسير بالسيف قاله سعيد بن جبير.
وقال غيره : بل هو ثابت الحكم، وإطعام اليتيم والمسكين على التطوع، وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلى أن يتخير فيه الإمام.
وقال الماورديُّ : ويحتمل أن يريد بالأسير الناقص العقل ؛ لأنه في أسر خبله وجنونه، وأسر المشرك انتقام يقف على رأي الإمام، وهذا برٌّ وإحسان.
٢٣
قوله ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ على إضمار القول، أي : يقولون بألسنتهم لليتيم والمسكين والأسير إنما نطعمكم في الله - جل ثناؤه - فزعاً من عذابه وطمعاً في ثوابه ﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً﴾ أي : ولا تثنوا علينا بذلك.
قال ابن عباس : كذلك كانت نيَّاتهم في الدنيا حين أطعموا.
وعن مجاهد : أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله منهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب.
قيل : هذه الآيات نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفى به.
وقيل : نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر، وهم سبعة من المهاجرين : أبو بكر، وعمر، وعلي، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد، وأبو عبيدة - رضي الله عنهم - ذكره الماوردي.
وقال مقاتل : نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكيناً، ويتيماً، وأسيراً.
وقيل : نزلت في علي وفاطمة - رضي الله عنهما - وجارية لهما اسمها فضة.
قال القرطبي : نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلاً حسناً، فهي عامة، وما ذكر عن عليٍّ، وفاطمة لا يصح.
وروى جابر الجعفي في قوله تعالى :﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾، عن قنبر مولى علي - رضي الله عنه - قال : مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب رسول الله ﷺ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا أبا الحسن لو نذرت عن ولديك نذراً، فقال عليٌّ - رضي الله عنه - إن برأ ولدي صمت ثلاثة أيام شكراً.
وقالت فاطمة - رضي الله عنها - مثل ذلك، وقال الحسن والحسين مثل ذلك وذكر الحديث.
قال أهل الحديث : جابر الجعفي كذاب.
فصل في الإحسان إلى الغير قال ابن الخطيب : اعلم أن الإحسان إلى الغير تارة يكون لأجل الله، وتارة يكون لغير الله، إما طلباً لمكافأة أو طلباً لمكافأة أو طلباً لحمدٍ وثناء، وتارة يكون لهما، وهذا هو الشرك، والأول هو المقبول عند الله، وأما القسمان الباقيان فمردودان، قال تعالى :﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ﴾ [البقرة : ٢٦٤].
٢٤