فيمن نصبها، أي : ومذللة ؟ ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في " عليهم " سواء نصبت " دانية " أو رفعتها، أو جررتها، ويجوز أن تكون مستأنفة.
وأما على قراءة رفع " ودانية " فتكون جملة فعلية عطفت على اسمية، ويجوز أن تكون حالاً كما تقدم.
فصل في تذليل قطوف الجنة والمعنى : وسخرت لهم قطوفها، أي : ثمارها " تذليلاً " أي : تسخيراً، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.
قال ابن قتيبة :" ذللت " أدينت منهم، من قولهم : حائط ذليل إذا كان قصير السمك.
وقليل :" ذُلِّلَتْ " أدينت منهم، من قولهم : فهم يتناولون منها كيف شاءوا.
قال البراءُ بن عازب رضي الله عنه : ذلّلت لهم، فهم يتناولون منها كيف شاءوا، فمن أكل قائماً لم يؤذه، ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : إذا همَّ يتناول من ثمارها تدلّت إليه حتى يتناول منها ما يريد.
وتذليل القطوف : تسهيل التناول، والقُطُوف : الثمار، الواحد ؟ قِطْف - بكسر القاف - سمي به ؛ لأنه يقطف، كما سمي الجَنَى لأنه يُجْنَى.
قوله :﴿تَذْلِيلاً﴾ تأكيد لما وصف به من الذل، كقوله تعالى :﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾ [الإسراء : ١٠٦]، ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ [النساء : ١٦٤].
قال الماوردي : ويحتمل أن تكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها، وتخلص لهم من نواها وقال النحاس : ويقال : المذللل الذي قد ذلله الماء، أي : أرواه.
ويقال : المذلل : الذي يفيئه أدنى ريح لنعمته، ويقال : المسوى ؛ لأن أهل الحجاز يقولون : ذَلَّلْ نخلك، أي : سوِّه.
قوله :﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ﴾ لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف شرابهم، وقد وصف الأواني التي يشرب بها، ومعنى " يطاف " أي : يدور على هؤلاء الأبرار والخدم إذا أرادوا الشراب بآنية من فضة.
٣٢
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء، أي : الذي في الجنة أشرف وأعلا، ثم لم تنف الأواني الذهبية بل المعنى : يُسقوْنَ في أواني الفضة، وقد يسقون في أواني الذهب، كما قال تعالى :﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل : ٨١]، أي والبرد، فنبه بذكر أحدهما على الأخرى.
قوله :" بآنية " هذا هو القائم مقام الفاعل ؛ لأنه هو المفعول به في المعنى، ويجوز أن يكون " عليهم ".
و " آنية " جمع إناء، والأصل :" أأنية " بهمزتين، الأولى مزيدة للجمع، والثانية فاء الكلمة، فقلبت الثانية ألفاً وجوباً، وهذا نظير : كساء وأكسية، وغطاه وأغطية ؟ ونظيره في صحيح اللام : حمار وأحمرة.
وقوله :﴿مِّن فِضَّةٍ﴾ نعت لـ " آنية ".
قوله :﴿وَأَكْوابٍ﴾.
الأكواب هي الكيزان العظام التي لا آذان لها ولا عرى، الواحد منها كوب ؛ وقال عدي :[السريع] ٥٠٤٥ - مُتَّكِئاً تُقْرَعُ أبْوابهُ
يَسْعَى عليْه العَبْدُ بالكُوبِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٣
قوله :﴿كَانَتْ قَوَارِيرَاْ﴾.
اختلف القراءُ في هذين الحرفين بالنسبة إلى التنوين وعدمه، وفي الوقوف بالألف وعدمها، كما تقدم خرفهم في " سلاسل ".
واعلم أن القراء فيهما على خمس مراتب : إحداها : تنوينهما معاً والوقف عليهما بالألف لنافع والكسائي وأبي بكر.
الثانية : مقابلة هذه، وهي عدم تنوينهما، وعدم الوقوف عليهما بالأف، لحمزة وحده.
الثالثة : عدم تنوينهما والوقف علهيما بالألف وعلى الثاني لهشام وحده.
والرابعة : تنوين الأول من دون الثاني، والوقف على الأول بالألف، وعلى اثلاني بدونها لابن كثير وحده.
الخامسة : عدم تنوينهما معاً، والوقف على الأول بالألف، وعلى الثاني بدونها، لأبي عمرو، وابن ذكوان، وحفص.
فأما من نونهما فكما مرّ في تنوين " سلاسل " ؛ لأنها صيغة منتهى الجموع، ذاك على " مفاعل " وذا على " مفاعيل "، والوقف بالألف التي هي بدل من التنوين، وفيه موافقة للمصاحف المرسومة، فإنهما مرسومان فيهما بالألف على ما نقل أبو عبيد.
٣٣
وأما عدم تنوينهما وعدم الوقف بالألف عليهما فظاهر جدًّا.
وأما من نون الأول دون الثاني، فإنه ناسب بين الأول وبين رءوس الآي ولم يناسب بين الثاني والأول الوجه في وقفه على الأول بالألف وعلى الثاني بغير ألف ظاهر.
وقد روة أبو عبيد أنه كذلك في مصاحف أهل " البصرة ".
وأما من لم ينونهما، ووقف عليهما بالألف، فلأنه ناسب بين الأول وبين رءوس الآي، وناسب بين الثاني وبين الأول.
وحصل مما تقدم في " سَلاسِلا " وفي هذين الحرفين، أن القراء منهم من وافق مصحفه، ومنهم من خالفه لاتباع الأثر.
وتقدم الكلام على " قوارير " في سورة " النمل " ؟ ولله الحمد.
وقال الزمخشري :" وهذا التنوين بدل من حرف الإطلاق لأنه فاصلة، وفي الثاني لإتباعه الأول ".
يعني أنهم يأتون بالتنوين بدلاً من حرف الإطلاق الذي للترنم ؛ كقوله :[الرجز]
٥٠٤٦ - يَا صَاحِ، مَا هَاجَ الدُّمُوعَ الذُّرَّفَنْ


الصفحة التالية
Icon