جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٣
وقال الأخطل :[الكامل] ٥٠٥٢ - مِنْ كُلِّ مُجْتَنِبٍ شَديدٍ أسْرهُ
سَلِسُ القِيَادِ تخَالهُ مُخْتَالاً
وقال أبو هريرة والحسن رضي الله عنهم : شَددْنَا مفَاصِلهُمْ.
قال أهل اللغة : الأسر : الرَّبْط، ومنه : أسِرَ الرجُل، إذا أوثق بالقيد، وفرس مأسورة الخلق وفرس مأسورة بالغقب، والإسار : هو القيد الذي يشد به الأقتاب، تقول : أسرت القتب أسراً، أي : شددته وربطته.
فصل في معنى الأسر قال ابن زيد : الأسر القوة، والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية، أي : سويت خلقك وأحكمته بالقوى ثم أنت تكفر بي.
قال ابن لخطيب : وهذا الكلام يوجب عليهم طاعة الله تعالى من حيث الترغيب والترهيب ؛ أما الترغيب فلأنه هو الذي خلقهم وأعطاهم الأعضاء السليمة التي بها يمكن الانتفاع باللذات العاجلة، وخلق لهم جميع ما يمكن الانتفاع به، فإذا أحبوا اللذات العاجلة، وتلك اللذات لا تحصل إلا بالمنتفع والمنتفع به، وهما لا يحصلان إلا بتكوين
٥٤
الله وإيجاده، وهذا مما يوجب عليهم الانقياد لله - تعالى - وترك التمرُّد.
وأما الترهيب فإنه قادرٌ على أن يميتهم وأن يسلُب النعم عنهم، وأن يلقي بهم في كل محنة وبلية، فلأجل من فوت هذه اللذات العاجلة يجب عليهم الانقياد لله - تعالى - وترك التمرّد، فكأنه قيل : هبْ أن حبكم لهذه اللذات العاجلة طريقة حسنة إلا أن ذلك يوجب عليكم الإيمان بالله - تعالى - والانقياد له، فلم توسلتم به إلى الكفر بالله - تعالى - والإعراض عن حكمه.
قوله تعالى :﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطْوَعَ لله منهم.
وقال ابن الخطيب : معناه : إذا شئنا أهلكناهم، وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلاً منهم كقوله تعالى :﴿عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ [الواقعة : ٦١]، والغرض منه : بيان الاستغناء التام عنهم، كأنه قيل : لا حاجة بنا إلى أحد من المخلوقين ألبتة، وبتقدير إن ثبتت الحاجة، فلا حاجة بنا إلى هؤلاء الأقوام ؛ فإنا قادرون على إبدالهم وإيجاد أمثالهم، ونظيره قوله تعالى :﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [إبراهيم : ١٩]، ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ [النساء : ١٣٣].
وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهم - معناه : لغيرنا محاسنهم إلى أقبح الصور.
وقيل : أمثالهم في الكفر.
فصل في نظم الآية قال الزمخشري في قوله تعالى :﴿وَإِذَا شِئْنَا﴾ : وحقه أن يجيء بـ " إن " لا بـ " إذا "، كقوله تعالى :﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ [محمد : ٣٨]، ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ يعني : أنَّ " إذا " للمحقِّق، و " إن " للمحتمل، وهو تعالى لم يشأ ذلك، وجوابه أن " إذا " قد تقع موقع " إن " كالعكس.
قال ابن الخطيب : فكأنه طعن في لفظ القرآن وهو ضعيف، لأن كل واحد من " إن " و " إذا " حرف شرط، إلا أن حرف " إن " لا يستعمل فيما هو معلوم الوقوع، فلا يقال : إن طلعت الشمس أكرمتك.
أما حرف " إذا " فإنه يستعمل فيما يكون معلوم الوقوع تقول ابتداء : إذا طلعت الشمس - فها هنا - لما كان الله تعالى عالماً أنه سيجيء وقت يبدل الله تعالى فيه أولئك الكفرة بأمقالهم في الخلقة وأضدادهم في الطاعة لا جرم حسن استعمال حرف " إذا ".
٥٥


الصفحة التالية
Icon