مِنَ الحَوادثِ إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلْعَا
وقال الكسائي والفراء : هما لغتان بمعنى.
قال القتيبي :" قَدَرْنَا " بمعنى " قَدَّرْنَا " مشددة، كما تقول : قدرت كذا وقدرته ومنه قوله ﷺ في الهلال :" إذَا غُمَّ عَليْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ " أي : قدروا له المسير والمنازل.
وقال محمد بن الجهم عن الفرَّاء : أنه ذكر تشديدها عن علي - رضي الله عنه - وتخفيفها.
قال : ولا يبعُد أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحداً، لأن العرب تقول : قدر عليه الموت وقدر، قال تعالى :﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ [الواقعة : ٦٠] قرئ بالتخفيف والتشديد، وقدر عليه رزقه وقدر، واحتج الذين خففوا فقالوا : لو كانت كذلك لكانت " فنِعْمَ المُقدِّرُونَ ".
قال الفراء : والعرب تجمع بين اللُّغتين، واستدل بقوله :﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾ الآية، [الطارق : ١٧] وذكر بيت الأعشى المتقدم.
وقيل : المعنى قدَّرنا قصيراً وطويلاً، ونحوه عن ابن عبَّاس : قدرنا ملكنا.
قال المهدوي : وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٧٣
قوله تعالى :﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً﴾ هذا هو النوع الرَّابع من تخويف الكُفَّار ؛ لأنه - تعالى - ذكرهم في الآية المتقدمة بالنعم التي في الأنفس لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق، ثم قال في آخرها :﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ ؛ لأن النعم كلها كانت أكثر كانت الخيانة أقبح وكان استحقاق الذم أشد، وذكر في هذه الآية النعم التي في الأنفس، لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق، قالوا : فإنه لولا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان
٧٤
الانتفاع بشي من المخلوقات ممكناً - والله أعلم -، وإنما قدم الأرض لأنها أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجة.
والكِفَات : اسم للوعاء الذي يكفت فيه أي يجمع.
قاله أبو عبيدٍ، يقال : كفته يكفته أي جمعه وضمه.
وفي الحديث :" أكْفِتُوا صبيانكُم "، قال الصمصمامة بن الطرمَّاح :[الوافر] ٥٠٥٨ - وأنْتَ غَداً اليَوْمَ فَوْقَ الأرْضِ حَيًّا
وأنْتَ غَداً تَضُمَّكَ فِي كَفاتِ
وقيل : الكِفَات : اسم لما يكفت كـ " الضِّمام والجماع "، يقال : هذا الباب جماع الأبواب، والمعنى : نجعل الأرض ضامَّة تضم الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها، والكفت : الضم والجمع ؛ وأنشد سيبويه :[الوافر] ٥٠٥٩ - كِرَامٌ حِينَ تَنْكفِتُ الأفَاعِي
إلَى أحْجارِهنَّ مِنَ الصَّقيعِ
وروي عن ربيعة في النباش، قال : تقطع يده، فقيل له : لم قلتَ ذلك ؟ فقال : إن الله - تعالى - يقول :﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً﴾ فالأرض حِرز، وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفته، لأنه مقبرة تض الموتى، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم، والأموات في قبورهم، وأيضاً استقرار النَّاس على وجه الأرض، ثم اضطجاعهم عليها، انضمام منهم إليها.
وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه : الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض، والأرض منقسمة إلى حيٍّ وهو الذي ينبت، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت.
وفي انتصاب :" كَفَاتاً، أحياء وأمواتاً " وجهان : أحدهما : أنه مفعول ثانٍ لـ " نجعل " ؛ لأنها للتصيير.
والثاني : أنه منصوب على الحال من " الأرض "، والمفعول الثاني :" أحياءً وأمواتاً " بمعنى : ألم نصيِّرها أحياء بالنيات، وأمواتاً بغير نبات، أي : بعضها كذا، وبعضها كذا.
وقيل :" كِفَاتاً " جمع كافت كـ " صيام "، و " قيام " جمع " صائم، وقائم ".
وقيل : بل هو مصدر كالكتاب والحساب.
وقال الخليل : التكفيت : تقليب الشَّيء ظهراً لبطن وبطناً لظهر، ويقال : انكفت القوم إلى منازلهم، أي : انقلبوا، فمعنى الكفات : أنهم يتصرفون على ظهرها، وينقلبون إليها فيدفنون فيها.
٧٥