فصل في الالتفات في هذه الآية قال ابنُ الخطيبِ : قوله تعالى :﴿فَذُوقُواْ﴾ يفيد معنى التعليل، وهو التفات من الغيبةِ للخطابِ، فهو دالٌّ على الغضبِ، وفيه مبالغاتٌ : منها أنَّ " لن " للتأكيد، ومنها الالتفات، ومنها إعادة قوله :" فذوقوا " بعد ذكر العذاب، قال أبو بزرة رضي الله عنه : سألت النبي ﷺ عن أشد آية في القرآن، قال عليه الصلاة والسلام : قوله :﴿فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً﴾ [النبأ : ٣٠] أي :﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا﴾ [النساء : ٥٦]، و ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾ [الإسراء : ٩٧].
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٠٣
قوله تعالى :﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً﴾.
تقدم تفسير المتقين، و " المفازُ " : يحتمل أن يكون مصدراً، بمعنى : فَوْزاً وظفراً بالنعمة، ويحتمل أن يكون المراد فوزاً بالنجاة من العذاب، ولذلك قيل للفلاة إذا قل ماؤها : مفازة، تفاؤلاً بالخلاص منها، وأن يكون مجموع الأمرين.
وقال الضحاك : منتزهاً.
قوله :﴿حَدَآئِقَ﴾ يحوز أن يكون بدلاً من " مفازاً " بدل اشتمالٍ أو بدل كُلٍّ من كل مبلغةً في أن جعل نفس هذه الأشياء مفازاً.
ويجوز أن يكون منصوباً بإضمارِ " أعنِي "، وإذا كان مفازاً بمعنى الفوز، فيُقدَّر مضاف، أي فوز حدائق، وهي جمع حديقة، وهي البستان المحوط عليه، ويقال : أحْدقَ بِهِ أي أحَاطَ.
والأعْنَابُ : جمعُ عنب، أي : كروم أعناب، فحذف، والتنكير في قوله تعالى :﴿وَأَعْنَاباً﴾ يدل على تعظيم تلك الأعناب.
قوله تعالى :﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾.
الكواعب : جمع كاعب، وهي من كعب ثديها وتفلك، أي يكون الثدي في النتوء كالكعب والفلكة، وهي النَّاهد، يقالك كَعَبَتِ الجارية تكعب
١١٢
كُعوباً، وكعَّبَتْ تَكْعِيباً، ونهَدتْ تَنْهَدُ نُهُوداً ؛ قال :[الطويل] ٥٠٨١ - وكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقِي
ثلاثُ شُخوصٍ : كاعِبانِ ومُعْصِرُ
وقال قيس بن عاصم المسعريُّ :[الطويل] ٥٠٨٣ - وَكَمْ مِنْ حَصَانٍ قَدْ حَوَيْنَا كَرِيمَةٍ
وَمِنْ كَاعِبٍ لَمْ تَدْرِ مضا البُؤْسُ مُعْصِرِ
وقال الضحاك : الكواعب : العَذَارى، والأتراب الأقران في السن، وقد تقدم ذكرهن في " الواقعة ".
قوله تعالى :﴿وَكَأْساً دِهَاقاً﴾.
الدِّهَاقُ : الملأى المُترعَةُ.
قيل : هو مأخوذ من دهقهُ، أي : ضغطه، وشده يده، كأنه ملأ اليد فانضغط، قال :[الوافر] ٥٠٨٣ - لأنْتِ إلى الفُؤادِ أحَبُّ قُرْباً
مِنَ الصَّادي إلى كَأسِ الدِّهاقِ
وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبي عبيدة، والزجاج، والكسائي.
وقال عكرمة : ورُبَّما سمعت ابن عبًّاسٍ يقول : اسقنا وادهق لنا، ودعا ابن عباس غلاماً له فقال له : اسقنا دهاقاً، فجاء الغلام بها ملأى، فقال ابن عباس : هذا الدِّهاق.
وقيل : الدِّهاق : المتتابعة ؛ قال رحمه الله :[الوافر] ٥٠٨٤ - أتَانَا عَامِرٌ يَبْغِي قِرَانَا
فأتْرعْنَا لَهُ كَاساً دَهاقَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١١٢
وهذا قول أبي هريرة، وسعيد بن جبير، ومجاهد.
قال الواحدي : وأصل هذا القول من قول العرب : أدهقت الحجارة إدهاقاً، وهي شدة ترادفها، ودخول بعضها في بعض.
ذكره الليث.
والتَّتابعُ كالتَّداخُل.
وعن عكرمة وزيد بن أسلمَ : أنَّها الصَّافيةُ، وهو جمع " دهق "، وهو خشبتان يعصر بهما.
والمراد بالكأسِ : الخَمْرُ.
١١٣