قوله تعالى :﴿رَّبِّ السَّمَاوَاتِ﴾.
قرأ نافعٌ، وابن كثير، وأبو عمرو : برفع " رب " و " الرحمن ".
وابن عامر، وعاصم : بخفضهما.
والأخوان : يخفض الأول، ورفع الثاني.
فأما رفعهما، فيجوز من أوجه : أحدها : أن يكون " ربُّ " خبر مبتدأ محذوف مضمر، أي :" هو رب "، و " الرحمن " كذلك، أو مبتدأ، خبره " لا يَمْلِكُون ".
الثاني : أن يجعل " ربُّ " مبتدأ، و " الرحمن " خبره، و " لا يملكون خبر ثان، أو مستأنف.
الثالث : أن يكون " ربُّ " مبتدأ، و " الرحمن " مبتدأ ثان، و " لا يملكون " خبره، والجملة خبر الأول، وحصل الرَّبطُ بتكرير المبتدأ بمعناهن وهو رأي الأخفشِ، ويجوز أن يكون " لا يَمْلِكُون " حالاً وتكون لازمة.
وأما جرهما : فعلى البدل، أو البيان، أوالنعت، كلاهما للأول، إلاَّ أنَّ تكرير البدل فيه نظر وتقدم التنبيه عليه في آخر الفاتحة.
وتجعل ﴿رَّبِّ السَّمَاوَاتِ﴾ تابعاً للأول، و " الرَّحْمن " تابعاً للثاني على ما تقدم.
وأمَّا الأول، فعلى التبعية للأول.
وأما رفع الثاني، فعلى الابتداء، والخبر : الجملة الفعلية، أة على أنَّه خبر مبتدأ مَكر، و " لا يَمْلِكُونَ " على ما تقدم من الاستئناف، أو الخبر الثاني، أو الحال اللازمة.
قوله :﴿لاَ يَمْلِكُونَ﴾.
نقل عطاء عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أن الضمير في " لا يملكون " راجع إلى المشركينَ، أي : لا يخاطبهم الله.
وأما المؤمنون فيشفعون، ويقبل الله - تعالى - منهم بعد إذنه لهم.
وقال القاضي : إنَّه راجع للمؤمنين، والمعنى : أنَّ المؤمنين لا يملكون أن يخاطبُوا الله - تعالى - في أمرٍ من الأمورِ.
١١٦
فصل في أنَّ الله عدل في عقابه لما ثبت أنه - تعالى - عدل لا يجور، وثبت أن العقاب الذي أوصله إلى الكفَّار عدل، وثبت أنَّ الثَّواب الذي أوصله إلى المؤمنين عدل، وأنَّه ما بخسهم حقَّهم، فبأيِّ سبب يُخاطبونه.
وقيل : الضمير يعود لأهل السماواتِ والأرضِ، وإنَّ أحداً من المخْلُوقِيْنَ لا يملك مخاطبة الله - تعالى - ومكالمته.
قال ابن الخطيب : وهذا هو الصواب.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١١٢
قوله تعالى :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ﴾.
منصوب على الظرف، إمَّا بـ " لا يَتكلَّمُونَ " بعده، وإمَّا بـ " لا يَمْلِكُونَ " و " صفًّاً " حال : أي : مُصطفِّيْنَ، و " لاَ يَتَكلَّمُونَ " إمَّا حال أو مستأنف.

فصل في المراد بالروح احتلفوا في الروح.


فقال ابن عباس : هو ملك ما خلق الله بعد العرش أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفًّا، وقام الملائكة كلهم صفًّا، ونحوه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الرُّوح ملك أعظم من السموات السبع والأرضين السبع والجبال.
وقيل : جبريل - عليه الصلاة والسلام - قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير.
" وروى عن ابن عباس عن النبيّ ﷺ أنه قال : الرُّوحُ في هَذِهِ الآيةِ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللهِ لَيْسُوا مَلائِكةً لَهُمْ رُءوسٌ وأيْدٍ وأرْجُلٌ يَأكُلونَ الطَّعام، ثُمَّ قَرَأَ :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً﴾ "، وهذا قول أبي صالح، ومجاهد، وعلي - رضي الله عنهم - وعلى هذا هو خلقٌ
١١٧
على صورة بني آدم كالناس، وليسوا بناس، وما ينزل من السماء ملك إلاَّ ومعه واحد منهم، نقله البغوي.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - " هُمْ أرْواحُ النَّاسِ ".
وقال مقاتل بن حيان : هُمْ أشراف الملائكة.
وقال ابن أبي نجيحٍ : هم حفظة على الملائكة.
وقال الحسن وقتادة : هم بنو آدم، والمعنى : ذو الروح.
وقال العوفي، والقرظي : هذا ممَّا كان يكتمه ابن عباس.
وقيل : أرواح بني آدم تقومُ صفًّا، فتقومُ الملائكةُ صفًّا، وذلك بين النَّفختين قبل أن تردُّ إلى الأجسادِ.
قاله عطية.
وقال زيد بن أسلم : هو القرآن.
وقرأ :﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى : ٥٢]، و ﴿صَفّاً﴾ مصدر ؛ أي : يقومون صفوفاً، والمصدر يغني عن الواحد والجمع كالعدل، والصوم، ويقال ليوم العيد : يوم الصف.
وقال في موضع آخر سبحانه :﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ [الفجر : ٢٢]، وهذا يدل على الصفوف، وهذا حين العرض والحساب، قيل : هما صفان.
وقيل : يقوم الكلُّ صفًّا واحداً، " لا يتَكلَّمُونَ " أي : لا يشفعون.
قوله :﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ﴾ يجوز أن يكون بدلاً من " واو " يتكلَّمون، وهو الأرجح، لكونه غير موجب، وأن يكون منصوباً على أصل الاستثناء.
والمعنى : لا يشفعون إلاَّ من أذن لهُ الرحمن في الشفاعة.
وقيل : لا يتكلمون إلا في حقِّ من أذنَ له الرحمنُ، وقال صواباً.
والمعنى : لا يشفعون إلاَّ في حقِّ شخصٍ أذن الرحمن في شفاعته، وذاك الشخص كان ممن قال صواباً، والمعنى قال صواباً، يعنى :" حقًّا ".
قاله الضحاك ومجاهد.
وروى الضحاكُ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لا يشفعون إلاَّ لمن قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأصل الصَّواب : السداد من القول والفعل، وهو من أصاب يصيب إصابة، كالجواب من أجاب يجيبُ.


الصفحة التالية
Icon