وقال قتادة والحسنُ : هي النجوم تسبحُ في أفلاكها، وكذا الشمس والقمر.
قال تعالى :﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء : ٣٣].
وقال عطاءُ : هي السُّفن تسبحُ في الماءِ.
وقال ابن عباسٍ : أرواح المؤمنين تسبحُ شوقاً إلى لقاء الله تعالى ورحمته حين تخرج.
قوله تعالى :﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً﴾.
قال عليٌّ رضي الله عنه : هي الملائكة، تسبقُ الشياطينَ بالوَحْيِ إلى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وهو قول مسروق ومجاهد.
وعن مجاهد - أيضاً - وأبي روق : هي الملائكة سبقت بني آدم إلى العملِ الصَّالحِ، فتكتبه.
وعن مجاهد - أيضاً - الموت يسبقُ الإنسان.
وقال مقاتلٌ : هي الملائكة تسبقُ المؤمنين إلى الجنَّةِ.
١٢٤
وقال ابنُ مسعودٍ : هي أنفس المؤمنين، تسبقُ إلى الملائكة الذي يقبضونها، وقد عاينت السرور شوقاً إلى لقاءِ الله تعالى.
وقال قتادةُ والحسن ومعمر : هي النجوم تسبق بعضها.
وقال عطاءٌ : هي الخيلُ التي تسبقُ إلى الجهاد.
وقيل : يحتملُ أن تكون " السَّابقات " ما تسبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة، أو نار ؛ حكاه الماورديُّ.
قال الجرجانيُّ : وذكر " فالسَّابقَاتِ " بالفاء ؛ لأنها مشتقة من التي قبلها، أي : واللاتي يَسْبَحْنَ فيسبقن، قام فذهب، فهذا يوجبُ أن يكون القام سبباً للذهابِ.
قال الواحديُّ : قول صاحب النَّظم غير مطرد في قوله :" فالمُدبِّراتِ أمْراً " ؛ لأنه يبعد ان يجعل السَّبقُ سبباً للتَّدبير.
قال ابن الخطيب ويمكن الجواب عن اعتراض الواحديِّ : بأنها لمَّا أمرتْ سبَحتْ، فسَبقَتْ، فدَبَّرتْ ما أمِرَتْ بتَدْبِيرِهِ، فتكون هذه أفعالاً يتَّصِلُ بعضها ببعض، كقولك : قام زيد، فذهب، فضرب عمراً، أو لمَّا سبقُوا في الطَّاعاتِ يُسَارِعُونَ إليها، ظهرت أمانَتهُمْ، ففوَّض إليهم التَّدبيرَ.
قوله :﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾.
قيل :" أمْراً " مفعول بالمُدبِّراتِ.
وقيل : حال، تُدبِّرهُ مأمورات، وهو بعيد.
قال القشيريُّ : أجمعوا على أن المراد : الملائكة.
وقال الماورديُّ : فيه قولان : أحدهما : الملائكةُ، قاله الجمهور.
والقول الثاني : هي الكواكب السبع، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل.
وفي تدبيرها الأمور وجهان : أحدهما : تدبيرُ طُلوعِهَا وأفُولِهَا.
١٢٥
والثاني : في تدبير ما قَضى الله - تعالى - فيها من تقليب الأحوال.
وحكى هذا القول - أيضاً - القشيري في تفسيره، وأن الله - تعالى - علَّق كثيراً من تدبير العالم بحركاتِ النُّجُومِ، فأضيف التدبير إليها، وإن كان من الله - تعالى - كما يُسمَّى الشيء باسم ما يجاوره.
وقال شهاب الدِّين : والمراد بهؤلاء إمَّا طوائفُ الملائكة، وإمَّا طوائفُ خيل الغزاة، وإما النجوم، وإمَّا المنَايَا، وإمَّا بقرُ الوحشِ وما جرى لسرعتها، وإما أرواح المؤمنين يعني المذكورين في جميع القسم.
فصل في تدبير الملائكة " تَدْبِيْرُ المَلائِكَة " : نزولها بالحلالِ، والحرام، وتفصيلهن قال ابن عباس : وقتادة، وغيرهما إلى الله تعالى، ولكن لمَّا أنزلت الملائكةُ سُمِّيت بذلك، كما قال تعالى :﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء : ١٩٣، ١٩٤]، وقوله تعالى :﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ﴾ [النحل : ١٠٢] يعني : جبريل نزَّلهُ على قلب محمدٍ ﷺ واله سبحانه وتعالى هو الذي أنزلهُ.
وروى عطاء عن ابن عباس :" فالمُدبِّراتِ أمْراً "، هي الملائكة وكلَّت بِتدْبِيْرِ أحوال أهلِ الأرض في الرياح والأمطار، وغير ذلك.
قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ ساباط : تدبير أمر الدنيا إلى أربعة : جِبْرِيلِ، ومِيْكَائِيلِ، وملكِ الموتِ واسمه عِزْرَائِيلُ، وإسْرَافِيْل، فأمَّا جِبْرِيْل، فمُوكِّلٌ بالرياح، والجنود، وأمَّا كِيْكَائِيْل، فموكَّلُ بالقَطْرِ والنَّباتِ، وأمَّا ملكُ الموتِ فمُوكَّلٌ بقبض الأرْواحِ في البرِّ والبَحْرِ، وأما إسْرَافِيلُ، فهو ينزلُ بالأمر عليهم، وليس في الملائكة أقربُ من إسرافيلـ وبينه وبين العرش خَمْسمائةِ عامٍ.
وقيل : وُكِّلُوا بأمُورٍ عَرَّفهمُ اللهُ بِهَا.
فإن قيل : لِمَ قَالَ :" أمْراً "، ولم يَقُلْ : أمُوراً، فإنهم يدبرون أمُوراً كثيرة ؟.
فالجوابُ : أن المرادَ به الجنسُ، فهو قائم مقام الجمعِ.
واعلم أنَّ هذه الكلمات أقسم الله - تعالى - بها، ولله - تعالى - أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لنا ذلك.
١٢٦
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٢١


الصفحة التالية
Icon