والمصدر " الْخِدْع " بكسر الخاء، ومثله : الخديعة.
و " فَاعَلَ " له معانٍ خمسة : المشاركة المعنوية نحو : ضارب زيد عمراً.
وموافقة المجرد نحو :" جاوزت زيداً " أي : جُزْتُه.
وموافقة " أفعل " متعدياً نحو :" باعدت زيداً وأبعدته ".
والإغناء عن " أفعل " نحو :" واريت الشيء ".
وعن المجرد نحو : سافرت وقاسيت وعاقبت، والآية " فَاعَل " فيها يحتمل المعنيين الأوّلَيْن.
أما المشاركة فالمُخَادعة منهم الله - تعالى - تقدم معناها، ومخادعة الله إياهم من حيث إنه أجرى عليهم أَحْكام المسلمين في الدنيا، ومُخَادعة المؤمنين لهم كونهم امتثلوا أمر الله - تعالى - فيهم، وأما كونه بمعنى المُجّرَّد، فيبينه قراءة ابن مسعود وأبي حَيَوَةَ " يَخْدَعُونَ ".
وقرأ أبو عمرو والرميان " وَمَا يُخَادِعُونَ " كالأولى، والباقون " وَمَا يَخْدَعُونَ "، فيحتمل أن تكونا القراءتان بمعنى واحد، أي : يكون " فَاعَلَ " بمعنى " فَعَل "، ويحتمل أن تكون المُفَاعلة على بابها، أعني صدورها من اثنين، فهم يُخَادعون أنفسهم، حيث يُمَنُّونَها الأباطيل، وأَنْفُسهمْ تخادعهم تمنِّيهم ذلك، فكأنها مُحَاورة بين اثنين، ويكون هذا قريباً من قول الآخر :[المنسرح] ١٨٥ - لَمْ تَدْرِ مَا لاَ ؟ وَلَسْتَ قَائِلَهَا
عُمْرَكَ ما عِشْتَ آخِرَ الأَبَدِ
وَلَمْ تُؤَامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَرِياً
فِيهَا وَفِي أُخْتِهَا وَلَمْ تَلِدِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
وقال آخر :[الطويل] ١٨٦ - يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ وَفِي الْعَيْشِ فُسْحَةٌ
أَيَسْتَوْقِعُ الذُّوبَانَ أَمْ لاَ يَطُورُهَا
قال الومخشري : الاقتصار بـ " خادعت " على وجهه أن يُقَال : عني به " فعلت "، إلا أنه على وزن " فاعلت "، لأن الزِّنَةَ في أصلها للمغالبة، والفعل متى غولب فيه جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مُغَال لزيادة قوة الداعي إليه، ويعضده قراءة أبي حيوة المتقدمة.
٣٣٨
وقرىء :" وَمَا يُخَدِّعَونَ "، ويُخَدِّعُونَ من خَدَّعَ مشدداً.
و " يُخَدِّعَونَ " بفتح الياء والتشديد ؛ الأصل يختدعون، فأدغم.
وقرىء :" وما يُخْدَعُونَ "، " ويُخَادَعُونَ " على لفظ ما لم يسم فاعله، وتخريجها على أن الأصل : وَمَا يُخْدَعُونَ إِلاَّ عَنْ أنفسهم " فلما حذف الجَرّ انتصب على حَدّ :[الوافر] ١٨٧ - تَمُرُّونَ الدِّيَارَ فَلَمْ تَعُوجُوا
............................
" إلا أنفسهم " " إلا " في الأصل حرف استثناء و " أنفسهم " مفعول له، وهذا استثناء مفرغ، وهو : عبارة عما افتقر فيه ما قبل " إلا " لما بعدها، ألا ترى أن " يخادعون " يفتقر إلى مفعول ؟ ومثله :" ما قام إلا زيد "، فـ " قام " يفتقر إلى فاعل، والتَّام بخلافه، أي : ما لم يفتقر فيه ما قيل " إلا " لما بعدها، نحو : قام القوم إلاّ ويداً، وضربت القوم إلا بكراً، فقام أخذ فاعله، وضربت أخذ مفعوله، وشرط الاستثناء المُفَرَّغ أن يكون بعد نفي، أو شبهة كالاستفهام والنهي.
وأن قولهم : قرأت إلاّ يوم كذا، فالمعنى على نفي مؤول تقديره : ما تركت القراءة إلاَّ يوماً، هذا ومثله :﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [التوبة : ٣٢] و ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة : ٤٥].
وللاستثناء أحكام كثيرة تأتي مفصّلة في مواضعها إن شاء الله تعالى.
والنَّفْسُ : هنا ذات الشيء وحقيقته، ولا تختص بالأجسام لقوله تعالى :﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة : ١١٦]، " وَمَا يَشْعُرُونَ " هذه الجملة الفعلية يحتمل إلا يكون لها محلّ من الإعراب ؛ لأنها استئناف، وان يكون لها محلّ، وهو النصب على الحال من فاعل " يخدعون " والمعنى : وما يرجع وَبَال خداعهم إلاَّ على أنفسهم غير شاعرين بذلك، ومفعول " يشعرون " محذوف للعلم به، تقديره : وما يشعرون أن وَبَالَ خداعهم راجع على أنفسهم، واطّلاع الله عليهم.
والأحسن ألا يقدّر مفعول ؛ لأن الغرض نفي الشعور عنه ألبتة من غير نظر إلى مُتَعلِّقه، والأوّل يسمى حذف الاختصار، ومعناه : حذف الشيء بدليل.
والثاني يسمى حذف الاختصار، وهو حذف الشيء لا لدليل.
٣٣٩