يقال : صدى الرجل وصديته، وقال الزمخشري : وقئ " تُصدي " بضم التاء أي تعرض، ومعناه يدعوك إلى داع إلى التصدي له ؛ من الحرص والتهالك على إسلامه.
قوله :﴿أَلاَّ يَزَّكَّى ﴾ مبتدأ خبره " عليك " أي ليس عليك عدم تزكيته.
والمعنى لا شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه إلى الإسلام، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم إلى أن تعرض عمن أسلم للاشتغال بدعوتهم.
قوله :﴿يَسْعَى ﴾ حال من فاعل " جاءك " والمعنى أن يسرع في طلب الخير، كقوله :﴿فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة : ٩].
وقوله :﴿وَهُوَ يَخْشَى ﴾ جملة حالية من فاعل " يسعى " فهو حال من حال وجعلها حالاً ثانية معطوفة على الأولى ليس بالقوي وفيها ثلاثة أوجه يخشى الله ويخافه في ألاَّ يهتم بأداء تكاليفه، أو يخشى الكفار وأذاهم في إتيانك، أو يخشى الكبوة فإنه كان أعمى، وما كان له قائد.
قوله ﴿تَلَهَّى ﴾ أصله تتلهى من لهي يلهى بكذا أي اشتغل وليس من اللهو في شيء.
وقال أبو حيان : ويمكن أن يكون منه لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو تنقلب واوه لانكسار ما قبلها.
نحو شقي يشقى.
فإن كان مصدره جاء بالياء فيكون من مادة غير مادة اللهو.
قال شهاب الدين : الناس إنما لم يجعلوه من اللهو لأجل أنه مسند إلى ضمير النبي ﷺ ولا يليق بمنصبه الكريم أن ينسب إليه التفعل من اللهو.
بخلاف الاشتغال فإنه يجوز أن يصدر منه في بعض الأحيان، ولا ينبغي أن يعتقد غير هذا وإنما سقط الشيخ وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه " عنهو تلهى " بواو وهي صلة لهاء الكناية، وتشديد التاء والصل تتلهى فأدغم، وجاز الجمع بين ساكنين لوجود حرف علة وإدغام، وليس لهذه الآية نظير.
وهو أنه إذا لقي صلة هاء الكناية ساكن آخر ثبتت الصلة بل يجب الحذف، وقرأ ابو جعفر " تُلَهَّى " بضم التاء مبنياً للمفعول.
أي يلهيك شأن الصناديد، وقرأ طلحة " تتلهى " بتاءين وهي الأصل، وعنه بتاء واحدة وسكون اللام.
فصل فإن قيل قوله :﴿فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ﴾ فأنت عنه تلهى كان فيه اختصاصاً.
١٥٧
قلنا نعم، ومعناه إنكار التصدي والتلهي عنه، أي مثلك خصوصاً لا ينبغي أن يتصدى للغني، ويتلهى عن الفقير.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٥٢
قوله :﴿كَلاَّ﴾ وهو ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله.
قال الحسن : لما تلا جبريل على النبي ﷺ هذه الآيات عاد وجهه كأنما أسف الرماد فيه ينتظر ماذا يحكم الله جبريل على النبي صلى الله هذه الآيات عاد وجهه كأنما أسف الرماد فيه يتنظر ماذا يحكم الله عليه، فلما قال :﴿كَلاَّ﴾ سري عنه، أي لا تفعل مثل ذلك قال ابن الخطيب : وقد بينا نحن أن ذلك محمول على ترك الأولى.
وقوله :﴿إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ فيه سؤالان : الأول : قوله :﴿إِنَّهَا﴾ ضمير المؤنث، وقوله :﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ ضمير المذكر، والضميران عائدان إلى شيء واحد، فكيف القول فيه ؟.
الجواب : وفيه وجهان : الأول : أن قوله :﴿إِنَّهَا﴾ ضمير المؤنث، قال مقاتل : يعني آيات القرآن، وقال الكلبي : يعني هذه السورة وهو قول الأخفش والضمير في قوله :﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ عائد إلى التذكرة أيضاً، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ.
الثاني : قال صاحب النظم : إنها تذكرة يعني بها القرآن والقرآن مذكر إلا انه لما جعل القرآن تذكرة أخرجه على لفظ التذكرة، ولو ذكره لجاز كما قال في موضع آخر ﴿كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ والدليل على أن قوله :﴿إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ المراد به القرآن قوله ﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾.
فصل كيف اتصال هذه الآية بما قبلها ؟ الجواب من وجهين : الأول : كأنه قيل : هذا التأديب الذي أوحيته إليك وعرفته لك في إجلال الفقراء وعدم الالتفات إلى أهل الدنيا أثبت في اللوح المحفوظ الذي قد وكل بحفظه أكابر الملائكة.
الثاني : كأنه قيل : هذا القرآن قد بلغ في العظمة إلى هذا الحد العظيم، فأي حاجة به إلى أن يقبله هؤلاء الكفار، فسواء قبلوه أو لم يقبلوه فلا تلتفت إليهم ولا تشغل قلبك بهم، وإياك أن تعرض عمن آمن به تطبيباً لقلوب أرباب الدنيا.
١٥٨