والغلبة : القهر ؛ أن يُنال وتصيب عليه رقبته، هذا أصله، وحديقة غلباء : ملتفة، وحدائق غلب، وقال ابن عباس : الغلب جمع أغلب، وغلباء، وهي الغِلاظ، وعنه أيضاً : الطوال.
وقال قتادةُ : وابنُ زيدٍ : الغلبُ : النَّخْلُ الكرامُ.
وعن ابن زيدٍ أيضاً وعكرمةَ : عظام الأوساط، والجذوع.
وقال مجاهد : ملتفة.
وتقدم الكلام على الحدائق في سورة " النمل ".
قوله :﴿وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾.
الفاكهةُ : ما يأكله الاناس من ثمار الأشجار، كالتين، والخوخ، وغيرهما.
قال انب الخطيب : وقد استدلَّ بعضهم بأنَّ الله - تعالى - لمَّا ذكره الفاكهة بعد ذكر العنبِ، والزيتونِ، والنخل، وجب ألا يدخل هذه الأشياء في الفاكهة، وهذا أقربُ من جهة الظاهر ؛ لان المعطوف مغاير للمعطوف عليه.
١٦٧
وأمَّا الأبُّ : فقيل : الأبُّ للبهائم بمنزلة الفاكهة للنَّاس.
وقيل : هو مطلق المرعى.
قال الشاعر يمدحُ النبي ﷺ :[الطويل] ٥١١٢ - لَهُ دَعْوةٌ مَيْمُونةٌ رِيحُهَا الصَّبا
بِهَا يُنْبِتُ اللهُ الحَصِيدةَ والأبَّا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٦٤
وقيل : سمي المرعى أبًّا ؛ لأنه يربُّ، أي : يؤم وينتجع، والأبُّ والمُّ بمعنى ؛ قال الشاعر :[الرمل] ٥١١٣ - جِذمُنَا قَيْسٌ ونَجْدٌ دَارُنَا
ولنَا الأبُّ بِهِ والمُكْرَعُ
وأبُّ لكذَا يَؤبُّ ابًّا، وأبَّ إلى وطنه، إذا نَزعَ الشيء نزوعاً : تهيَّأ لقصدهِ، وهكذا أب بسيفه : أي : تهيَّأ لسله، وقولهم :" إبان ذلك " هو فعلان منه، وهو الشيء المتهيِّئ لفعله ومجيئه، وقيل : الأبّ : يابس الفاكهة لأنها تؤب للشتاء، أي تعد.
وقيل : الأبُّ ما تأكله البهائمُ من العُشْبِ.
قال ابنُ عباسٍ والحسن : الأبُّ، كل ما أنبتت الأرض مما لا يأكله الناس، وما يأكله الآدميون، هو :" الحصيد ".
وعن ابن عباس وابن أبي طلحة : الأبُّ، الثِّمارُ الرَّطبةُ.
وقال الضحاك : هو التِّينُ خاصَّةً.
وهو محكي عن ابن عباس أيضاً.
وقيل : الأب الفاكهة رطب الثمار ويابسها.
وقال إبراهيم التيمي : سُئل أبُو بكر الصديقُ - رضي الله عنه - عن تفسير الفاكهة والأبُّ، فقال : أيُّ تظلني وأي أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
وقال أنس : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ هذه الآية، ثم قال : كل هذا عرفناه فما الأبُّ ؟ ثم رفع عصا كانت بيده، ثم قال : هذا لعمر الله التكليف، وما عليك يا ابن عمر ألا تدري ما الأبُّ ؟.
ثم قال : اتَّبعوا ما بين لكم في هذا الكتاب، وما لا فدعوه.
١٦٩
وروي عن النبي ﷺ قال :" خُلِقْتُمْ مِنْ سَبْعٍ، ورُزقتُمْ مِنْ سَبعٍ فاسجُدُوا للهِ على سَبْعٍ ".
وإنما أراد بقوله عليه الصلاة والسلام :" خُلِقْتُمْ مِنَ سَبْعٍ " يعني :﴿مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ [الحج : ٥] الآية.
والرزق من سبع، وهو قوله تعالى :﴿فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً﴾ إلى قوله " وفاكهة " ثم قال :" وأبًّا " وهو يدل على أنه ليس برزق لابن آدم، وأنَّه مما تختص به البهائم، والله أعلم.
قوله :﴿مَّتَاعاً لَّكُمْ﴾ : نصب على المصدر المؤكد ؛ لأن إنبات هذه الأشياء متاعٌ لجميع الحيوانات، واعلم أنه - تعالى - لما ذكر ما يغتذي به الناس والحيوان، قال رجل من قائل :﴿مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾.
قال الفراء : جعلناه منفعة لكم ومتعة لكم ولأنعامكم، وهذا مثلٌ ضربه الله لبعث الموتى من قبورهم، كنبات الزرع بعد دُثُوره كما تقدم بيانه في غير موضع.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٦٤
قوله تعالى :﴿فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ﴾ : وهي الصَّيحةُ التي تصخُّ الآذان، أي : تصمها لشدة وقعتها.
وقيل : هي مأخوذة من صَخّهُ بالحجر أي : صَكَّهُ به.
وقال الزمخشري :" صخَّ مثل أصاخ له، فوصفت التفخة بالصاخَّة مجازاً ؛ لأن النَّاس يصخُّون لها ".
وقال ابن العربي : الصاخَّة : التي تورث الصَّممَ، وإنَّها لمسمعة، وهذا من بديع الفصاحة ؛ كقول الشاعر :[البسيط] ٥١١٤ - أصمَّنِي سِرُّهُمْ أيَّاك فُرقتِهِمْ
فَهل سَمِعتُمْ بِسرِّ يُورِثُ الصَّمَمَا
وقال آخر :[الطويل] ٥١١٥ - أصَمَّ بِكَ النَّاعِي وإنْ كَانَ أسْمَعَا
..............................


الصفحة التالية
Icon