وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : المطفق الرجل الذي يستأجر المكيال، وهو يعلم أنه يحيف في كيله فوزن عليه.
قوله :﴿عَلَى النَّاسِ﴾.
فيه أوجه : أحدها : أنَّه متعلق بـ " اكتالوا "، و " على " و " من " " يتعاقبان " هنا.
قال الفراء : يقال : اكتلتُ على النَّاسِ : اسْتوفَيْتُ مِنهُمْ، واكْتلتُ مِنهُمْ : أخذتُ مَا عَليْهِمْ.
وقيل :" على " بمعنى اكتل على ومنه بمعنى، والأول أوضح.
وقيل :" على " يتعلق بـ " يستوفون ".
قال الزمخشري " لما كان اكتيالهم لا يضرهم، ويتحامل فيه عليهم أبدل " على " مكان " من " للدلالة على ذلك، ويجوز أن يتعلق بـ " يستوفون " وقدَّم المفعول على الفعل لإفادة الخصوصية، أي : يستوفون على الناس خاصَّة، فأمَّا أنفسهم فيستوفون لها.
وهو حسن.
قوله تعالى :﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ﴾.
رُسمتَا في المصحف بغير ألف بعد الواو في الفعلين، فمن ثم اختلف الناس في " هم " على وجهين.
أحدهما : هو ضمير مصب فيكون مفعولاً به، ويعود على الناس، أي : وإذا كالوا الناس أو وزنوا الناس، وعلى هذا فالأصل في هذين الفعلين التعدي لاثنين : لأحدهما بنفسه بلا خلاف وللآخر بحرف الجر، ويجوز حذفه.
وهل كل منهما أصل بنفسه، أو أحدهما أصل للآخر ؟ فيه خلاف، والتقدير : وإذا كالوا لهم طعاماً، أو وزنوه لهم، فحذف الحرف والمفعول ؛ وأنشد :[الطويل] ٥١٢٧ - ولقَدْ جَنيتُكَ أكَمُؤاً وعَساقِلاً
ولقَدْ نَهيتُكَ عَن بَناتِ الأوبَرِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٠٥
أي : جنيت لك.
والثاني : أنَّه ضمير رفع مؤكد للواو، والضمير عائد على " المطففين "، ويكون على هذا قد حذف المكيل والمكيل له، والموزون والموزون له.
إلا أن الزمخشري رد هذا فقال :" ولا يصح أن يكون ضميراً مرفوعاً
٢٠٧
" للمطففين "، لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أن المعنى : إذا أخذوا من الناس، ، استوفوا، وإذا أعطوهم أخسروا، وإن جعلت الضمير " للمطففين " انقلب إلى قولك : إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإن تولوا الكيل، أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر ؛ لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر ".
قال أبو حيان : ولا تنافر فيه بوجه، ولا رق بين أن يؤكد الضمير، وألاَّ يؤكد، والحديث واقع في الفعل، غاية ما في هذا أن متعلِّق الاستيفاء، وهو " على الناس " مذكور، وهو في " كالوهم أو وزنوهم " محذوف للعلم به ؛ لأنَّه من المعلوم أنهم لا يخسرُون ذلك لأنفسهم.
قال شهابُ الدين : الزمخشري يريد أن يحافظ على أنَّ المعنى مرتبط بشيئين : إذا أخذوا من غيرهم، وإذا أعطوا غيرهم، وهذا إنَّما فهم على تقدير أن يكون الضمير منصوباً عائداً على الناس، لا على كونه ضمير رفع عائداً على الناس، لا على كونه رفع عائداً على " المطففين "، ولا شك أن هذا المعنى الذي ذكره الزمخشري وأراده أتم وأحسن من المعنى الثاني، ورجَّح الأول سقوط الألف بعد الواو ؛ لأنه دال على اتصال الضمير.
إلاَّ أن الزمخشري استدرك فقال :" والتعلق في إبطاله بخط المصحف، وأن الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ركيك ؛ لأن خط المصحف لم يراع في كثير منه خد المصطلح عليه في علم الخط على أني رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة، لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعاً ؛ لأن الواو وحده معطية معنى الجمع، وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك :" هم لم يدعوا، وهو يدعو "، فمن لم يثبتها قال : المعنى كافٍ في التفرقة بينهما، وعن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يرتكبان ذلك، أي : يجعلان الضميرين " للمطففين "، ويقفان عند الواوين وقيفة، يبينان بها ما أرادوا ".
ولم يذكر فعل الوزن أوَّلاً، بل اقتصر على الكيل، فقال :" إذا اكتالوا "، ولم يقل : إذا اتزنوا، كما قال ثانياً :" أوْ وزَنُوهُمْ ".
قال ابن الخطيب : لأن الكيل والوزن بهما البيع والشراء، فأحدهما يدل على الآخر.
وقال الزمخشري :" كأنَّ المطففين كانوا لا يؤخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين، لتمكنهم من البخس في النوعين جميعاً ".
قوله :" يُخْسِرُونَ " جوابُ " إذا "، وهو يتعدَّى بالهمزة، يقال : خسر الرجل وأخسرته
٢٠٨